[يقول السائل إمام يصلى بالناس ويدخن السجائر وللعلم يقوم بالتلفظ بالنية جهرا كاملة هل يجوز أن نصلى خلفه؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: شرب السجائر محرم وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قال (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) فالأموال جعلها الله تعالى لنا قياما يقوم به ديننا وتقوم به دنيانا فإذا صرفه الإنسان في شيء لا يقوم به الدين ولا الدنيا كان ذلك سفها وإضاعة للمال وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن إضاعة المال وشرب السجائر ضرر على البدن كما ذكر ذلك الأطباء وأجمعوا عليه وشرب السجائر سبب للإصابة بأمراض خطيرة عسيرة البرء كالسرطان الرئوى واللثوي وما أشبه ذلك وشرب السجائر تضيق به النفس إذا تأخر الإنسان عن وقته المعتاد فلا يحب أحدا أن يكلمه وتثقل عليه الصلاة ويثقل عليه الصيام ثقلا أشد وشرب السجائر سبب للإضرار بالغير إذا جلس إليه أحد أو جلس هو إلى أحد وقام يدخن فإن جليسه سوف يتأذى برائحته من وجه ويتأذى أو يتضرر بما يكون من دخانه ولذلك نجد الأمم الحريصة على دنياها تمنع من شرب الدخان في المجالس العامة لأنها تعلم علم اليقين ما يحصل فيه من ضرر وبهذا وبغيره مما لم نذكره يتبين أن شرب السجائر حرام وكذلك ما كان بمعناها مثلها أو أشد كالشيشة وغيرها فإن ما ماثل الشيء يعطى حكمه وعلى هذا أوجه النصيحة من هذا المنبر منبر نور على الدرب لإخواني المسلمين الذين ابتلوا بشرب السجائر أن يتوبوا إلى الله عز وجل مما هم عليه ويعينهم على هذه التوبة أمور
الأول الإخلاص لله عز وجل بأن يتركوه لله انكفافا عن معصيته ودخولا في طاعته
ثانيا الاستعانة بالله عز وجل على تركه بحيث يكون شاعرا بأنه لن يتمكن من ذلك إلا بمعونة الله فيستعين الله سبحانه وتعالى بقلبه ولسانه وإلى هذين الأمرين أشار الله تعالى بقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ففي إياك نعبد إخلاص العبادة وفي إياك نستعين إخلاص الاستعانة
ثالثا أن يبتعد عن مجالسة الذين يشربون السجائر فإن جلوسه إليهم يقتضي ألا ينسى شربه للسجائر وربما كانوا جلساء سوء فحملوه على أن يشرب معهم
رابعا إن قدر على أن يترك شرب السجائر مرة واحدة ويقطعه نهائيا فهذا أقوى في العزيمة وأقرب إلى المضي في تركه وإن عجز عن هذا فليتركه شيئا فشيئا إذا كان من عادته أن يشرب عشرين سيجارة في اليوم فليشرب خمس عشرة لمدة أسبوع أو عشرة أيام ثم عشر سجائر وهكذا تدريجيا فلعل الله عز وجل أن ينفعه ويمن عليه بالهداية والاعتصام منه أما هذا الإمام الذي سأل عنه السائل وأنه كان يشرب السجائر ويجهر بالنية فنقول إن وجد من هو خير منه في الصلاح وقراءة القرآن فالأولى الصلاة خلفه والواجب على المسؤولين عن المساجد أن يعزلوا الإمام الشارب للسجائر وأن يولوا من هو خير منه وإن كان هذا الشارب للسجائر الذي جعل إماماً هو أحسن قومه فللضرورات أحكام فليصل خلفه والصلاة صحيحة لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الصلاة خلف العاصي صحيحة إذا لم يأت بما يخل بالصلاة وأما كونه يجهر بالنية فإنني أنصحه وغيره ممن ينطقون بالنية سرا أو جهرا عند فعل العبادة أن يتركوا هذه الفعلة أعني الجهر بالنية لأن الجهر بالنية إنما يحصل لو كان الذي تتعبد له لا يعلم ما في قلبك حتى تخبره عنه بلسانك أما إذا كان يعلم ما في القلب فإنه لا يحتاج إلى أن يخبر باللسان ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في القلب كما قال الله تعالى (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) وقال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) وقال تعالى (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) ولهذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهديه أقوم الهدي وأحسنه أنه لم يتكلم بالنية لا في الصلاة ولا في الصيام ولا في الزكاة ولا في الحج ولا في غيرها من العبادات أي لم يقل اللهم إني أريد أن أصلى أو أريد أن أصوم أو أريد أن اعتمر أو أريد أن أحج وعلى هذا فالنطق بالنية سرا أو جهرا غير مشروع وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تجد نصيحتي هذه آذاناً صاغية وقلوبا واعية وأن يدعوا ما هم عليه إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فإنهم على الحق وعلى الصراط المستقيم.