[السؤال: يقول ما حكم تبرج النساء وماذا يترتب عليه وكيف نجيب على من قال إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (المرأة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة) لا أصل له فالحديث (المرأة عورة إلا وجهها) بدون في الصلاة؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم نقول إن تبرج المرأة محرم لأن الواجب في حقها التستر وعدم التعرض للفتنة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد قوم معهم سياط يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) والتبرج بلا شك ميل عن الحق وسبب لميل الناس عن الحق وللافتتان بهن فهو محرم ولكن هل إبداء الوجه والكفين من التبرج أو ليس منه هذا محل خلاف بين أهل العلم والصواب أنه من التبرج لأن من أبلغ أسباب وسائل الفتنة ظهور الوجه والكفين فإن تعلق النفس بالوجه أشد من تعلقها بأي عضو من الأعضاء وبأي جزء من الأجزاء وإذا كان أولئك الذين يبيحون كشف الوجه والكفين يمنعون من كشف القدمين والساقين فإننا نقول لهم إن إظهار الوجه والكفين أشد فتنة وجذباً إلى المرأة من إظهار الساقين ولهذا كان الصواب من أقوال أهل العلم الذي اختاره شيخ الإسلام بن تيمية وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يجوز للمرأة إظهار وجهها وكفيها بل إنه هو المشهور عند المتأخرين من الشافعية كما في كتاب الإقناع لهم في حل ألفاظ أبي شجاع بل إن بعض الناس كابن رسلان حكى إجماع المسلمين على وجوب تغطية الوجه والكفين في هذه الأزمنة -يقول ذلك في زمانه- فكيف بزماننا الذي أصبح الناس فيه ضعاف الإيمان إلا من شاء الله سبحانه وتعالى ثم إن الأمر الآن لم يكن مقصوراً على الوجه والكفين عند هؤلاء الذين يبيحون لنسائهم أن يكشفن وجوههن وأكفهن بل تعدى الأمر إلى إظهار الرأس أو جزء منه وإظهار الرقبة وإظهار أعلى الصدر وإظهار بعض الذراعين وعجزوا عن ضبط النساء في هذا الأمر لهذا فالقول الصواب بلا ريب أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عمن ليس من محارمها.
إن أقوى ما احتج به هؤلاء قوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) وما يروى عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال لأسماء بنت أبي بكر (إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى وجهه وكفيه وفي الحقيقة أنه لا دلالة لهم في ذلك أما الآية فإن قوله (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) مستثنى من قوله (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) والزينة ليست هي الأعضاء أو الجسم بل الزينة هي الثياب كما في قوله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ) فزينة الله سبحانه وتعالى هي ما رزقهم الله تعالى من هذه الألبسة التي يتزينون بها فيكون قوله (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) المراد الثياب يعني لا يبدين الثياب الخفية التي جرت العادة بسترها لكونها جميلة وأما ما ظهر منها كالعباءة والرداء كما قال ابن مسعود رضي الله عنه فلا حرج عليهن في ذلك وأما الحديث فإنه ضعيف لانقطاع سنده وضعف بعض رواته فلا يكون حجة في هذا الأمر.