فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم رحمهم الله في مس المرأة هل ينقض الوضوء أم لا؟ فمنهم من قال إنه لا ينقض الوضوء مطلقاً ومنهم من قال إنه ينقض الوضوء مطلقاً ومنهم من قال إن كان لشهوة نقض الوضوء وإن كان لغير شهوة لم ينقض الوضوء والقول الراجح أنه لا ينقض الوضوء مطلقاً إلا أن يخرج شيء من المس كالمذي وشبهه فإن الوضوء ينتقض بهذا الخارج وقد استدل القائلون بأن اللمس ينقض مطلقاً بقوله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وفي قراءة أخرى سبعية (أو لَمستم النساء) بناءً على أن المراد باللمس ملامسة الرجل للمرأة باليد أو بغيرها من الأعضاء والصواب أن المراد بالملامسة في هذه الآية هو الجماع كما فسر ذلك ابن عباس رضي الله عنه ويدل لهذا أن الآية الكريمة ذكر الله تعالى فيها الطهارتين الأصلىتين وطهارة البدل وذكر الله تعالى فيها السببين سبب الطهارة الكبرى وسبب الطهارة الصغرى ففي قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) في هذا ذكر الطهارة الصغرى التي سببها الحدث الأصغر وفي قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ذكر الله تعالى الطهارة الكبرى وسببها وهو الجنابة وفي قوله (فَتَيَمَّمُوا) ذكر الله تعالى طهارة البدل وهي التيمم وعلى هذا فيكون قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) يكون فيه إشارة إلى ذكر الموجبين للطهارتين ففي قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) ذكر موجب الطهارة الصغرى وفي قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) ذكر موجب الطهارة الكبرى ولو حملنا اللمس على اللمس باليد وغيرها من الأعضاء بدون جماع لكان في الآية ذكر لموجبين من موجبات الطهارة الصغرى وإغفال لموجب الطهارة الكبرى وعلى كل حال هذه الآية ليس فيه دلالة لما ذهب إليه أولئك القوم الذين قالوا بنقض الوضوء إذا مس الرجل المرأة والأصل براءة الذمة وبقاء الطهارة وما ثبت بدليل لايرتفع إلا بدليل مثله أو أقوى منه فإذا كانت الطهارة ثابتة بدليل شرعي فإنه لا ينقضها إلا دليل شرعي مثل الذي ثبتت به أو أقوى.