للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثابكم الله يا شيخ محمد المستمعة عواطف من جدة أرسلت بهذه الرسالة تقول فيها: إنني أرى ولله الحمد شباب اليوم وخاصة بأنهم التزموا بطاعة الله،ولكن نراهم يميلون إلى مذاكرة الحديث والتفسير والتوحيد والفقه فقط، ويهملون المواد الأخرى مثل الرياضيات والعلوم، ويقولون: فقط يريدون الدين ولا يهمهم باقي المواد، يريد الآخرة،نعم ولله الحمد نحن لا نمنعهم من ذكر الله، ولكن الله عز وجل أمرنا بالعلم وحثنا عليه. نريد من فضيلتكم نبذة بسيطة عن فضل العلم، وأيضاً تقول: وبصراحة نرى تطوعهم فيه تشديد جداً جداً،نرجو منكم الإفادة؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن ما ذكرته السائلة- من- أن العلم لا يقتصر على العلوم الشرعية كعلم التفسير والحديث والتوحيد والفقه وما يتعلق بذلك-صحيح-، لكن العلم المحمود على كل حال هو هذه العلوم، هي التي أمر الله بها،وهي التي فيها الفضل، وهي التي قال الله تعالى فيها: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) . وقال فيها (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) .وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) . وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) . أما العلوم الأخرى التي تتعلق بالدنيا فهي من العلوم المباحة التي إن اتخذها الإنسان وسيلة إلى خير كانت خيراً، وإن اتخذها وسيلة إلى شر كانت شراً،فهي لا تحمد لذاتها ولا تذم لذاتها، بل هي بحسب ما توصل إليه وهناك علوم أخرى،علوم ضارة إما في العقيدة وإما في الأخلاق وإما في السلوك، فهذه محرمة وممنوعة بكل حال فالعلوم ثلاثة أقسام: محمودة بكل حال، ومذمومة بكل حال، ومباحة يتعلق الذم فيها أو المدح بحسب ما تكون وسيلة له، والنصوص الواردة في فضل العلم والحث عليه تتعلق بالقسم الأول فقط وهو المحمود بكل حال. وإذا كانت العلوم التي تتعلق بالدنيا نافعة للخلق،ولم تشغل عما هو أهم منها،كان طلبها محموداً؛ لما توصل إليه من النفع العام أو الخاص، ولا ينبغي لنا أن نحتقرها حتى لا نجعل لها قيمة في حال تكون مفيدة للخلق. وأما قولها: إنها ترى هؤلاء يتشددون في الدين تشدداً عظيماً، فالتشديد والتيسير أمر نسبي، قد يرى الإنسان الشيء شديداً وهو في نظر غيره يسير، وقد يرى الإنسان الشيء يسيراً وهو في نظر غيره شديد، والمرجع في ذلك إلى السنة المطهرة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، المبنية على كتاب الله عز وجل فإن كان ما يقومون به من أعمال موافقاً للكتاب والسنة فليس بتشديد،بل هو اليسر والسهولة،وإن كان بعض المتهاونين المفرطين يرونه تشديداً فلا عبرة بما يرونه، فإنه إذا وافق الكتاب والسنة فهو يسير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر) ، لكن قد يستنكر بعض المفرطين شيئاً من شريعة الإسلام، ويظن أن القيام به تشديد، فيصف المتمسكين به بالتشدد في دينهم، ونحن لا ننكر أنه يوجد فئة من الناس تتنطع في دينها وتزيد فيه، وتعنف على من خالفها في بعض الأمور التي يسوغ فيها الاجتهاد ويسع الأمة فيها الخلاف، وهؤلاء لا عبرة بهم؛لأنهم مُفرِطون،والذين يتساهلون ويرون أن التمسك بالشريعة تشديد لا عبرة بهم أيضاً؛ لأنهم مُفرِّطون، والدين بين الغالي فيه والجافي عنه.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>