وابنه إسماعيل-عليهما صلوات الله-إلا أن مجاورة حافظة الجواهر والبر والفضل-عليه التحية-بالغدو والآصال عندما أسندت إليه الرسالة أضافت علوا وشرفا لهذه البلدة وإن كان هذا لا يقبل الإنكار إلا أن شرف مجاورة النبى صلى الله عليه وسلم قد زال بعد الهجرة، واكتسبت المدينة المنورة بالهجرة مزية حقيقية فوق العادة.
وإذا قيل، لماذا لم تنل الأشياء الأخرى التى جاورت النبى صلى الله عليه وسلم هذا الشرف ولعل الأفضلية ليست وقفا على الملاصقة بل إن هذه الأرض التى دفن فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أصبحت جزءا من جسم الرسول ولأجل ذلك كسبت المدينة المنورة أفضلية ورجحانا على الأماكن الأخرى لأن الملك الموكل بعجن طينة الإنسان قد قسمها إلى ثلاثة أقسام فيضع أحدها فى رحم الأم عند سقوط النطفة ويضع الثانى فى الأراضى الخصبة التى سيعيش عليها فى حياته، ويلقى بالقسم الثالث فى المكان الذى سيدفن فيه، ومادام التراب الذى التصق بأعضاء النبى المكرم قد كان جزءا انفصل من جسمه فمرقد صاحب الرسالة المؤيد بالفيض النبوى، يرجح قطعا من حيث الشرف على مكة المكرمة. وهذا هو سر رجحان تراب المدينة المنورة العاطر الذى التصق بالجسم النبوى الميمون، من المدينة التى دفنت فيها الرحمة، وحكمة هذه الأفضلية ترجع إلى أن أجر ومثوبات الأعمال الصالحة فى إحداهما أكثر من الأخرى.
وقال الرواة الذين أيدوا الإمام مالك فى رجحان المدينة المنورة على مكة المكرمة فى ضمن إثبات مدعاه-قال مؤلف كتاب الوفاء-نقلا عن كعب الأحبار عندما أراد الله القادر المطلق أن يخلق ويوجد نور صاحب الرسالة الأقدس أمر جبريل الأمين أن يجهز ويهيئ العنصر المحمدى اللطيف-عليه أفضل التحية- وجد جبريل الأمين قبضة من التراب الأبيض وأحضره، ولما كان هذا التراب الطاهر موقع مرقد سيد البشر خمر وعجن جبريل ذلك التراب بماء الجنة الزلال وعرف أنه عنصر محبوب الله-عليه أجمل التحايا-وامتلأ عجبا إذ تأمل أهمية قدره وجلالة وعظمة وفضل جوهره، ولم يكن سكان عالم السماء حتى ذلك الوقت قد سمعوا حتى اسم أبى البشر-عليه سلام الله الأكبر.