تبين سبب تأسيس منبر مسجد النبى وصورته وجزع ونحيب النخلة (١).
لما كان مسجد المدينة الشريف خاليا من المنبر لإلقاء الخطبة كان مؤسس مبانى الدين-عليه سلام الله المعين-يقف طويلا على رجله فى أثناء إلقائه الخطبة ويتعب كثيرا، وتأثر الأصحاب الكرام من هذه الحالة فأتوا بنخلة وركزوها فى المحل الذى يلقى فيه خطيب منبر الرسالة-عليه أسنى التحية-ورجوه أن يتكئ عليها فى أثناء إلقائه الخطبة، وبعد فترة ألمح أحد النجارين من المدينة المنورة وهو «باقوم الرومى» من عبيد سعيد بن العاص، لتميم الدارى من الصحابة والذى كان من معارفه وقال:«إذا أمكن الحصول على إذن من الرسول صلى الله عليه وسلم لصنعت له منبرا» وهكذا أومأ بأنه مستعد لصنع منبر لمسجد السعادة وعرض تميم الدارى الأمر على الرسول صلى الله عليه وسلم واستحصل منه الإذن على أن يكون المنبر المصنوع ذا ثلاثة أرجل أو أربع وبعد صنعه عرضه على النبى صلى الله عليه وسلم فأعجب به وأصبح منبره وصعد عليه لإلقاء خطبه.
وإذ ابتدر الرسول صلى الله عليه وسلم فى إلقاء الخطبة صاعدا على المنبر، فالنخلة التى استند عليها من سنين أخذت تنتحب وتصيح كالناقة التى فقدت وليدها وبعد فترة ما سقطت على الأرض وكادت أن تكون ألف قطعة.
وحينما رأى شفيق الكائنات-عليه أفضل التحيات-حالة النخلة هذه نزل من المنبر الجديد ودعا تلك النخلة واستجابت النخلة سالفة الذكر للدعوة النبوية شاقة الأرض فمسها بيده الشريفة المعجزة وأمرها أن تعود إلى حالتها الأولى فاستجابت لأمره-عليه السلام-ورجعت إلى مكانها الأول ووقفت معظمة الرسول فخاطبها الرسول قائلا: «أيها النخلة! أين تريدين أن ترجعى إلى الحديقة التى قطعت
(١) انظر فتح البارى الحديث ٣٥٨٣ - ٣٥٨٥ وشرحه من كتاب المناقب.