ترك بانى أساس الشريعة عديم الاندراس-عليه أكمل التحية-عندما تفضل بوضع أسس مسجد المدينة مكانا خاليا فى جهة من جهات المسجد ليبنى عليه لزوجاته المطهرات أمهات المؤمنين حجرة عالية لكل واحدة منهن، وبعد ما تم بناء المسجد الشريف ابتدر ببناء دارين للسيدتين سودة وعائشة (١) -رضى الله عنهما- وسواء أكانت عمق هاتين الدارين أو حجرات زوجات النبى الأخريات كاملة ملكا لحارثة بن النعمان، أو قدم حضرة حارثة العرصة المذكورة للنبى صلى الله عليه وسلم ورحل إلى مكان آخر وهكذا نال شرف مجاورة النبى صلى الله عليه وسلم الغالية لمدة مديدة.
وقد كان لحارثة بن النعمان أولا عرصة الدارين سالفتى الذكر ورحل إلى الدار التى على اتصال بهذه الساحة، وتعود أن يعطى قطعة أرض للنبى صلى الله عليه وسلم كلما احتاج لبناء دار ويرحل هو إلى دار أخرى وبهذه الطريقة كان قد تنازل عن جميع ما يملكه من الأرض عند ما تم بناء حجرات زوجات النبى صلى الله عليه وسلم.
إن الحجرات التسعة التى أسسها النبى صلى الله عليه وسلم لزوجاته كان بعضها مبنيا من الحجر والطين اللبن وبعضها من جذوع النخيل قد طلى فوقها بالطين وصنعت أسقفها جميعا من جريد النخيل، وكان ارتفاع جدرانها عامة فى حدود ثلاثة أذرع، وكانت بين دار السيدة عائشة وباب الرحمة، أى حجرات نسائه جميعا كانت فى الجهة القبلية والشرقية والجهة الشمالية للمسجد الشريف، والدار التى كان يحبها النبى صلى الله عليه وسلم وأكثر ما كان يسكن ويقيم فيها كانت دار عائشة-رضى الله عنها- وكان يفتح بابها إلى الساحة الرملية وكان مصراعه مصنوعا من خشب العرعر أو من خشب الساج على قول آخر، وكان الأصحاب الكرام والتابعين يدخلون فى
(١) عندما بنى مسجد السعادة لم تكن للنبى صلى الله عليه وسلم إلا زوجتان.