للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى قول آخر، إن السيدة «سارة» أصابتها الغيرة من إسماعيل-عليه السلام- وقالت: يا إبراهيم، إذا كنت تريد لى راحة البال وهدوء الحال فاحمل هاجر وابنها إلى مكان قفر بلا ماء واتركهما هناك. ولما كان الوحى الجليل قد نزل آنذاك بأن يعمل تبعا لرأى سارة فإن، حضرة الخليل ترك المشار إليهما مع جرة ماء فى واد غير ذى زرع بمكة، ودعا على النحو السابق.

ولما كان دعاؤه مقبولا مجابا؟ فقد ظهرت قبائل «جرهم» و «قطورا» وعمرت مكة المكرمة، وأصبحت آهلة.

[كيف ظهر بئر زمزم الشريف]

عند ما نفذ الماء من الجرة التى تركها الزوج المكرم-عليه السلام-فى ثلاثة أيام، ورأت السيدة هاجر أن ابنها إسماعيل أصبح على وشك الموت من العطش ولا حيلة له، وهى أيضا لا حيلة لها ولا قوة، فلبن ثدييها قد انقطع (١).

وبعد أن تأملت وبكت لفترة، وهى فزعة جزعة من وحدتها فى ذلك الوادى الموحش، تركت ابنها إسماعيل أسفل الخيمة التى أقامتها من قبل وصعدت فوق قمة جبل الصفا للبحث عن الماء. ومن فوق هذا الجبل نظرت تجاه ابنها، حيث لا أثر لماء، أو لإنسان يروح أو يغدو، ونزلت إلى بطن الوادى، وكان المكان المنخفض الذى تركت فيه ابنها يوارى ويحول دون رؤيته فألقت فوق كتفيها بالزائد من الملابس الموجودة وراء ظهرها، وصعدت بسرعة فوق ربوة جبل المروة، فرأت ابنها من هناك ثم نزلت إلى الوادى ومع ذلك لم تستطع أن ترى ابنها، فأسرعت بالصعود إلى أعلى قمة جبل الصفا وابتهجت عيناها برؤية ابنها الذى يبعث السعادة فى النفوس. استمرت على هذا المنوال سبع مرات (٢) تذهب وتغدو من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، بنحو لم يفعله مخلوق من بنى البشر وهى تقول «ليس من الممكن أن يوجد هنا ماء أو أن أقابل بشرا


(١) هذه الرواية تختلف عما يدعيه المؤرخون بأن سيدنا إسماعيل أثناء الهجرة، كان فى الثانية عشرة من عمره.
(٢) لم يكن هناك من سعى بين الصفا والمروة قبل السيدة هاجر. لذا فإنها أول الساعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>