للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجعت إلى إسماعيل وقد امتلأت يأسا وخيبة أمل. وهناك سمعت صوتا يشبه صدى صوت إنسان فأحست بالفرح، لكنها لم تستطع أن تحدد ناحية مصدر الصوت وتحيرت، فماذا تفعل؟! وقد كف الصوت المذكور وبدأت تتلفت حولها وهى حزينة.

بعد ما أفاقت بفترة قالت: «يا صاحب الصوت الندى الذى شغف سمعى.

عند ما سمعت صوتك الملائكى غرقت فى بحر الأمل، إذا كنت نصيرا إلى فعجل، لأننى وابنى قد استولى علينا الألم واليأس. فقد بلغنا درجة الموت عندئذ اضطر صاحب الصوت أن يظهر، وكان جبريل الأمين وأن يظهر ماء زمزم بضربة من جناحه.

وسرت السيدة هاجر بظهور الماء سرورا عظيما وبعد أن شربت (١) وارتوت أخذ ضرعاها اللذان جف لبنهما فى الإدرار، وأحاطت الماء بالرمال حتى لا يسيل الماء فى الوادى، وفى قول آخر إنها عند ما حفظت بعض الماء للإدخار أظهرت نوعا من عدم التوكل، لذلك غاض الماء فى الحال فى باطن الأرض وكان هذا سببا فى توارى (٢) الماء عن وجه الأرض بعد ما كان الماء جاريا.

لو لم تحاول هاجر-رضى الله عنها-أن تمنع الماء من الجريان بإحاطته بالرمال، لظل جاريا إلى يوم القيامة كما جاء فى الحديث الشريف. ظهر ماء زمزم على النحو المذكور وكانت السيدة هاجر فى أمان وسعادة ولما رأى ذلك جبريل الأمين خاطب هاجر قائلا: «يا هاجر لا يحزن قلبك من هذا المكان الساكن هما وغما ولا يجول بخاطرك أن هذا الماء ينضب، فقد انفجر هذا الماء الذى يهب الحياة لحرمة ماء وجه إسماعيل الذى يزين حضنك، وإن ابنك هذا سيتشرف بشرف النبوة وسوف يبنى مع زوجك إبراهيم هذه الساحة المباركة التى تزيل الهم


(١) يروى أن السيدة هاجر سقت ابنها قبل أن تشرب.
(٢) لم يكن حول بئر زمزم حتى زمن أبى جعفر المنصور خرزة من الحجارة والرخام ولم يوجد حول فوهته خرزة يحيط‍ بها وفى زمن خلافة المشار إليه أقاموا خرزة كما غطى ما حولها بالرخام.

<<  <  ج: ص:  >  >>