تعرضت أشجار النخيل فى أواخر عهد السعادة لنوع من الآفات وأشجار النخيل التى أصابها الآفة عندما أشرفت على إظهار ثمارها ذبلت أزهارها وبليت وسقطت على الأرض وأصابت الآفة خمسة وتسعين فى المائة من النخيل، وبهذا الشكل كان رأسمال الملاك وثروتهم قد ذهبا هباء ومحيا تماما. وقام الزراع للقضاء على هذه الآفة بآلاف المحاولات حتى يجدوا حلا سريعا لهذه الآفة، وقاموا فى سبيل ذلك ببعض التضحيات إلا أن سعيهم وجهودهم ذهبت هباء، وإذا ما دامت هذه الحالة أصبح احتمال الحصول على المحاصيل من حدائق المدينة مستحيلا، ومن هنا راجعوا طبيب الكائنات-عليه أسبغ التحيات-راجين أن يجد دواء لدائهم. فما كان من النبى صلى الله عليه وسلم الواقف على أسرار الحكمة إلا أن اتخذ قرارا بأن يأتى كل من أصابت الآفة نخيله بعنقود من البلح صدقة خالصة لأصحاب الصفة وبنية صحيحة، وامتثل للأمر النبوى معاذ بن جبل من سادات الأصحاب وكان أول من امتثل وأسرع بقطف عنقود من البلح الطازج وأتى به إلى مسجد السعادة وبما أن الآفة انقطعت من حديقة معاذ بن جبل إثر هذا العمل وأبلغ الأهالى الرسول صلى الله عليه وسلم أصدر النبى صلى الله عليه وسلم تعليماته أن يأتى كل من ابتلى بالآفة بعنقود بلح لتوزيعه على أصحاب الصفة وأعلن ذلك على الزراع.
ومن هنا اتخذ أصحاب الحدائق عادة ألا يطعموا أولادهم وعيالهم قبل أن يقدموا عنقودا من البلح لأصحاب الصفة، واستمر أصحاب اليسار والثروة بعد زوال الآفة فى تقديم البلح إلى مسجد السعادة كصدقة لأهل الصفة متبركين وعدوا هذا العمل كنفع عام ومن هنا تنافسوا فى هذا العمل المبارك.
وتولى معاذ بن جبل بحفظ ما يقدم من البلح وأخذ يوزعه على أصحاب الصفة فى أوقات معينة مخصوصة، وكان محمد بن مسلمة من أكابر الصحابة معروفا بالسماحة والسجايا السامية وكان رجلا فاضلا يسلك دائما أحسن المسالك، إذ كان فى باكورة مواسم البلح يأتى بعناقيد البلح التى يجمعها ويضعها