بين عمودين من أعمدة المسجد ومن رأى ذلك اتخذ عادة الإتيان ببعض عناقيد البلح ويضعها بجانب عناقيد البلح المشار إليه، ولما كان هذا النظام الحسن سببا فى إعاشة أصحاب الصفة وتسهيل حياتهم فقد تعمم تقديم البلح حتى أصبح كقانون البلد، وعمل زراع البلد بهذا القانون ذو الفرائد واستمروا على ذلك فى عصر السعادة وهكذا أطعموا حضرات أصحاب الصفة.
وعندما كثرت عناقيد البلح فى مسجد السعادة ربط معاذ بن جبل بين الأعمدة التى تراكمت فيها العناقيد حبلا وعلق عليه العناقيد وكان الأصحاب الكرام يهزون العناقيد بعصيهم ويدعون أصحاب الصفة وبعد تناول البلح كان أصحاب الصفة ينصرفون إلى الأروقة التى صنعت من أجلهم فى نهاية مسجد السعادة من جهة الشمال حيث يمضون أوقاتهم فى الطاعة والعبادة.
واستمر توزيع البلح بهذه الصورة إلى أزمنة الخلفاء الراشدين، ولكن فيما بعد كثرت حقول البلح وكثر الغرباء من الوافدين إلى المدينة حيث أصبحت الصفة الخاصة بأصحاب الصفة لا تتسع لإيوائهم ومن هنا أخذ ولاة المدينة المنورة ما يتبرع به الزراع من بلح التبرك وباعوا بعضه واشتروا بعض قرب الماء والنعال وأشياء أخرى وأخذوا يطعمون الفقراء الوافدين فى مواسم الحج طول إقامتهم حسب النظام السابق وأسعدوهم عند عودتهم بإعطاء كل واحد منهم قربة ماء ومقدارا من البلح، وقد ألغى الولاة المتأخرون النظام السابق وأحالوا إدارة الزوار الفقراء إلى دار الضيافة النبوية، وبما أنه لم يبق الآن فى المدينة المنورة، لا الزراع الذين يقدمون البلح لإطعامهم ولا القادرون الذين يعنون بإطعام الفقراء ويفكرون فيه ومن هنا فالفقراء الذين نفدت نقودهم وطعامهم لم يجدوا إلا صاحب الرسالة عليه أكمل التحية يعرضون عليه حاجتهم وهكذا ينالون مطالبهم كما سيفصل فى المقال الذى فى خاتمة الكتاب.
ومكان المظلة والرواق اللذان صنعا خصيصا من أجل أصحاب الصفة الذين يعيشون كما سبق ذكره فى الجهة الشمالية من محراب التهجد وتقع هذه الصفة