فى ذكر كيفية تجديد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسيعه للمرة الثالثة.
وسع المسجد النبوى فى المرة الثالثة الوليد بن عبد الملك وجدده، وظل المسجد الشريف إلى قرب عهد عبد الملك الشامى على الحالة والهيئة التى صنعها عثمان بن عفان وظل فى حالته تلك واسعا متين البناء لا يحتاج للتعمير، إلا أن الوليد ابن عبد الملك رغب فى توسيع مسجد السعادة وتجديده على شكل أكثر نظاما وزينه فى طرز جديد، فكتب إلى حاكم القسطنطينية فيلبوس طالبا منه أن يرسل مقدارا كافيا من العمال المتفننين المهرة وقدرا كافيا من الفسيفساء الجميلة، فأرسل فيلبوس ثمانين نفرا من مهرة العمال المشهورين نصفهم من القبط والنصف الآخر من الروم كما أرسل ثريّا نادرة تساوى أربعين ألف دينار.
وسر الوليد بن عبد الملك من ورود الثريا والعمال المرسلين من القسطنطينية وأرسل هؤلاء العمال والنقود والمواد اللازمة لتجديد مسجد الرسول إلى ابن أخيه عمر ابن عبد العزيز (١) وأعطى رسالة مستفزة للشخص الذى كلفه بإيصال الأشياء المذكورة يقول فيها أرسلت إليكم النقود واللوازم الكافية لتجديد مسجد الرسول وتوسيعه وبعض العمال، وعند وصول هذه الأشياء اشتر منازل الزوجات المطهرات للنبى صلى الله عليه وسلم ثم منازل المحترمين من الناس واشرع فى تجديد المسجد وتوسيعه على هذا الأساس وأعط بدلات قيمة المنازل التى اشتريتها، وإذا وجد من يخالف بيع منازلهم وإعطائه فأظهر لهم القوة الجبرية واهدم منازل هؤلاء الأشخاص وخربها، وإذا رفضوا أخذ المبالغ المقدرة فوزع النقود على فقراء
(١) وكان عمر بن عبد العزيز فى ذلك الوقت والى الحجاز ويقيم فى المدينة المنورة. وكان جده مروان بن الحكم وكان اسم والدته ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو الإمام الجليل وخامس الخلفاء الراشدين العادل، وحكم ما يقرب من سنتين وخمسة أشهر ولما كان عمره أربعين عاما ارتحل عن دنيانا فى مكان يسمى دير سمعان من أرض حمص ليسكن فى عرش الآخرة.