السطح واحدة تلو الأخرى وبعد ما أصلحوا على قدر الإمكان ووضعوا كل واحد منها فى مكانها القديم ووضعوا الميزاب الذهبى مكان الميزاب العتيق وأتموا تعمير السطح فى نفس هذا اليوم وبعد أيام من ذلك وفى ليلة وبعد أداء صلاة العشاء أمر الباشا المذكور الصناع المهرة بأن يسرعوا فى العمل فاستطاع العمال أن يضعوا الأحزمة الحديدية فى أماكنها فى تلك الليلة وفى الليلة التالية ركبوا النصف الثانى من الأحزمة ووضعوا اللوحة التى فى باب المعلا فى مكانها.
ثم أصلحوا الركن الذى كان فى حاجة إلى الإصلاح دون أن يخرجوا فى أثناء تعميرهم عن تعليمات الشريعة. وهكذا استطاع أن يشيد وأن يقوى ويصلح الأركان الأربعة للكعبة الشريفة وسطحها.
وقد ثبت أن رصانة بيت الله ومتانته قد وصلت إلى الدرجة المطلوبة وذلك بشهادة المتخصصين فى فن البناء.
وفى الواقع أن الأشياء اللازمة لترميم البيت والتى أعدت فى دار السعادة قد ركبت فى مكانها فى الكعبة الشريفة كأنها صبت فى قالب بعد المسح والوزن ومع ذلك فإن هذه المستلزمات كانت قد عينت وجربت عدة مرات فى مكة المكرمة.
إن هذا العمل قد أثار فرح الأهالى وابتهاجهم؛ ولأجل ذلك اجتمعوا حول كعبة الله فى السادس عشر من الشهر المذكور تحت رئاسة أمير مكة الشريف إدريس وأحيوا يومهم بختم القرآن الكريم والتضرع إلى الله والدعاء للسلطان بدوام قوة دولته وعظمتها.
[حكاية غريبة]
عند قلع الميزاب القديم، ورفع رخام سطح البيت الشريف ظهرت فى الجو علامات نزول المطر وسمعت أصوات الرعد والبرق فى الأطراف والأكناف، مما جعل الناس يقولون: إذا ما أمطرت السماء سيمتلئ داخل كعبة الله بالسيل واستولى عليهم القلق وأخذت قطرات المطر تتساقط متتابعة كأنها در فى سلكه.
إلا أنه لم تسقط قطرة مطر على الأرض إلى ميزاب الرحمة فى مكانه إلى أن غطى سطح بيت الله.
وقد انتظم المطر إلى أن غطى السطح الشريف فى ارتفاع أربعين ذراعا من الأرض وعند الانتهاء من تغطية السطح ووضع الميزاب فى مكانه أخذ المطر ينهمر بشدة لم تر فى ذلك العصر مثلها حتى أغرقت السيول الأسواق والمحلات.