إلى تنفيذ ما جاء فيه من أمر فغسل كعبة الله خارجها وداخلها إلى ارتفاع قامة إنسان، وطهر ونظف المطاف الشريف وسائر مواضع الحرم، وأرسل إلى السلطان قايتباى يخبره بما تم، وعقد السلطان نيته على أداء فريضة الحج فى نفس العام الذى تم فيه تطهير الكعبة الشريفة بأمره. وسافر إلى مكة المكرمة وتجرأ على أن يدخل الحرم من «باب السلام» وهو ممتط جواده ولكن ذل حافر الفرس فسقطت عمته عن رأسه وبقى حاسرا؛ إذ يجب على الداخل إلى الحرم محرما أن يكون مكشوف الرأس للقيام بالطواف والنسك، إنما تلك الجسارة كانت لملوك الشراكسة أمارة البله وضعف الإدراك، فالشراكسة المصريون كانت لهم بزة خاصة وهندام غريب يثير ضحك من يقع نظره عليهم لأول مرة.
[ألبسة ملوك الشراكسة المصريين الرسمية]
إن السلاطين الشراكسة الذين تربعوا على عرش مصر اختاروا لأنفسهم ثيابا رسمية تشبه ملابس الأيوبيين، إلا أنهم أضافوا بعض الأشياء الخاصة بهم مما جعل لهم هيئة مثيرة للضحك، وإن ما جرت به العادة فى بلد من البلاد وما اتخذ من الأصول والقواعد ليس غريبا أن يثير الضحك والسخرية فى بلاد أخرى.
وكان الملوك الشراكسة يتعممون بعمائم غاية فى الطول، ويثبتون على هذه العمائم ستة قرون مدببة؛ إلا أنها كانت مصنوعة من بز رقيق فى شكل مدبب، وجرت العادة فى الاستقبالات الرسمية أن تحمل فوق رءوسهم مظلات على هيئة الخيام، وعلى هذه المظلات صورة طائر باسط جناحيه (١)، وكان حامل هذه المظلة أعلى الأمراء المصريين رتبة ويسمى بولى العهد، وكان فى مصر فى هذه الحقبة من الزمن أربعة وعشرين وزيرا يلقب الواحد منهم بالأمير الكبير، وكانت
(١) وإن كانت المظلة التى ترفع فوق رأس أمير مكة وهو غاد ورائح إلى عرفات مظلة كبيرة نوعا ما؛ إلا أنها كانت خالية من صورة طائر، وهذه المظلة مصنوعة من قماش أخضر ومزخرفة بخيوط ذهبية وذات زر من الخيوط الذهبية. وكانت فى غاية الزخرفة والزينة والزركشة وكانت خاصة بأمير مكة فقط.