ولما كانت تلك القبيلة من زجرة الطير فقال عجوز وقد استدل من صفرة وجه كثير على خوفه، يا ابن أخى! هل هناك شئ أخافك؟ «فقال له كثير نعم» وحكى له حكاية الغراب فتشاءم العجوز من هذه الواقعة وقال له هذه الحكاية إشارة على فراقك واغترابك. ولما زاد غم كثير وهمه من هذا القول أرخى عنان دابته حتى لا يصل إلى الشام سريعا، ولما وصل إلى الشام وجد جنازة موضوعة على حجر المصلى وقام مصليا مقتديا بالإمام، ولما فرغ من الصلاة قيل له: إننا لا نستطيع ألا نتعجب من غفلتك فى هذا اليوم الحزين فقال لهم أى يوم هذا تتعجبون من غفلتى؟! فقالوا إن عشيقتك عزة توفيت والجنازة التى صليت عليها كانت جنازة عزة فكيف لا نتعجب لحالتك؟! فتأثر كثير من هذه الإجابة ووقع على الأرض مغشيا عليه وبعد أن أفاق قال:
ما أعرف النهدى لادر دره ... وأزجره (١)
للطير لاعز نصره
رأيت غرابا واقفا فوق بانه ... ينتف أعلى ريشه ويطايره
فقال غراب اغتراب من النوى ... وبانه بين من حبيب تعاشره
وبعد أن ألقى هذه الأبيات صاح صيحة عظيمة ومات ودفن بجانب عشيقته.
مات كثير فى خلال سنة ١٠٥ الهجرية، ولما توفى فى نفس اليوم عكرمة غلام ابن عباس فقيل فيهما: توفى اليوم أفقه الناس مع أشعر الناس رحمهما الله.
[البضيع]
على وزن النصير اسم مشهور أصل ماء قبيلة بنى غفار، وهو بين جبلين فى وادى العقيق.
(١) الزجر هو إبعاد الطائر بتخويفه عند الذين يتفاءلون بالطير إذا كان الفأل سيئا. تفصيل هذا مسطور فى الصورة الثامنة من الوجهة الثانية من مرآة مكة.