الفرزدق فسأله قائلا:«أنت من ياترى؟» فأجابه «أنا كثير» فقال له «إذا فأنت الذى يطلقون عليه كثير عزة؟» فقال له «نعم هكذا يسمينى الناس»،ولكن من تكون أنت؟ فعرف أنه الفرزدق بن غالب التميمى فقال له: هل أنت القائل لهذه الأبيات:
وجدت جمالهم بكل أسيلة ... تركت فؤادى هائما مخمولا
لو كنت أملكهم إذا لم يرحلوا ... حتى أودع قلبى المتبولا
ساروا بقلبى فى الخدود وغادروا ... جسمى يعالج زفرة وعويلا
فلما أخذ الرد بالإيجاب وقد رأى تلك الأبيات تنطبق على حاله فتأثر منها أشد التأثر فقال «يا فرزدق! لو لم أكن أمام البيت المعظم لصحت صيحة عظيمة انزعج منها هشام الذى يجلس على العرش فى سواد الشام ويظن أن القيامة قامت واستولى عليه الفزع، ولكن ما الفائدة فحرمة بيت الله الجليل تقف دونها!!» ولما تأثر الفرزدق من هذه الكلمات أشد التأثر فقال له «يا كثير، سأعرض ما قلته على هشام عندما أصل إلى الشام».وفعلا عرض الأمر عليه عندما وصل إلى الشام وبين له شدة حب كثير لعزة، ولما كان تطليق عزة من زوجها وتزويجها من كثير ممكنا فأمر بأن يدعى كثير إلى الشام، فبلغ الفرزدق الأمر لكثير كتابة وطلب منه أن يحضر إلى الشام دون تأخر. ولما أخذ كثير الرسالة المبشرة من الفرزدق تحرك من مقر مقره سعيدا وتوجه إلى الشام قاطعا المراحل وطاويا البوادى والمنازل، ولكنه تصادف أن غرض لناظريه غراب قبل أن يصل إلى الشام بعدة مراحل فتطير، وكان الغراب الذى أفزعه فوق شجرة بان يفلى ريشه ويسقط شعره. ولما رأى الغراب فى هذه الحالة استولى على قلبه خوف واصفر وجهه. وذهب إلى قبيلة بنى نهد ليسقى دابته وهو فى شدة الحرص على سلامته.