خصص لنا مكان عال يصدق سفراء أقوام العرب فضلنا ورحمائنا على الفقراء!» وتباهوا وتفاخروا بمثل هذه الكلمات.
وقال سيدنا سرور الأنام-عليه الصلاة والسلام- «إننى لا أستطيع أن أطرد المؤمنين من مجلسى» مجيبا، إلا أنهم قالوا إن مجالسة الفقراء تجلب لنا العار والحقارة والخجل، على الأقل فكلما نأتى إلى مجلسك فلينصرف هؤلاء الفقراء من مجلسك متعللين بأى سبب كان إذا ما روعى هذا النظام فنحن نعرض انقيادنا وطاعتنا لك وأرادوا بهذا النهج أن يحصلوا على رضا النبى صلى الله عليه وسلم وأن يعطى لهم عهدا بذلك وإذ رجوا ذلك أحضر معدن الحلم والكرم صلى الله عليه وسلم سيدنا على حيدر الكرار ليكتب لهم عهدا وفق مطالب المذكورين، ولكن عقب ذلك أنزل الله سبحانه وتعالى-الآية التى تقول {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ}. (الأنعام:٥٢).فصرف النبى صلى الله عليه وسلم النظر عن كتابة العهد وأحضر أصحاب الصفة-رضى الله عنهم-وقرأ عليهم الآية التى نزلت فى حقهم.
[استطراد]
كان فى ذلك الوقت بين القبائل العربية وخاصة بين شعبتى بنى أمية بنى مخزوم كثير من الحمقى انتعلوا الغطرسة والتكبر والتعظم وهم من الطائفة العرشية.
وقد وصل الغرور ببعضهم حد أنهم لم يجدوا فى هذه الدنيا الواسعة رجلا يستحق مصاحبتهم وقالوا: «لا يدانينا إلا فرقدا (١) السماء».
وإنهم لم يدركوا أن الكبر يجلب غضب الحق ويستوجب نفرة الخلق وأنه عندما ينفر الناس من أحد لن يستطيع أن يعيش حياة طبيعية سليمة وبناء على القول الذى يقول فى حق المتكبر:«الكبر على أهل الكبر صدقة» فكل الناس سينظرون إليه بالحقارة ومن هنا لن تستقيم حياته.
(١) الفرقدان: نجمان ظاهران فى مكان ثابت تقريبا يهتدى بهما ليلا. أحدهما النجم القطبى، وآخر بجانبه.