للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنعم أشرف الأنبياء سيدنا محمد على وائل بن حجر واقتطع له قطعة من الأرض وكلف حضرة معاوية بكتابة وثيقة بملكيتها وأن يرى حدود هذا الموقع؛ وبعد أن أخذ وائل قطعة الورقة التى سطرت عليها ملكيته للأرض ركب جمله وخرج مع حضرة معاوية إلى الطريق.

وقطعا مسافة لا بأس بها، وكان معاوية ماشيا على قدميه لأنه لا يمتلك جملا ولما اشتدت حرارة الشمس مع مرور الوقت وأصبح المشى فوق التحمل استأذن معاوية من وائل أن يكون رديفه فى ركوب الجمل كما جرت العادة بين العرب، وكان هذا الرجاء قد جرح عظمة وائل وكبره إذ قال له يا معاوية إنك لست جديرا بأن تكون رديفا لواحد من أعاظم العرب وأشرافهم وعندئذ قال له معاوية إذا كان كذلك فأعرنى نعليك فإنهما أكثر متانة من نعلى حتى لا تؤذى قدماى فقال له وائل: «يا ابن أبى سفيان، إننى لست رجلا بخيلا؛ ولكن الملوك الذين فى حوالينا إذا ما سمعوا الخبر سيؤذى كبريائى، كفى لك شرفا بأن تسير فى ظل جملى»،وبهذا بين له أنه لن يتنازل حتى عن نعليه، وبعد مدة استولى على عظمة وائل وأرضه جيوش الفقر وتبدلت أحواله بينما أصبح معاوية بن أبى سفيان واليا على معظم سواد الشام، وسافر ابن حجر إلى الشام ليشتكى تقلبات الزمان الظالمة وتلاقى بمعاوية مضطرا، فاستقبله معاوية باحترام عظيم وأجلسه على سريره الخاص وسره بأن أجزل له العطاء ولم يتذكر الواقعة السابقة بل أخجل ابن حجر وأومأ له بأن الذين يتخلقون بالأخلاق المحمدية يتصفون بهذه المزايا العظيمة.

إذا ما وازنا مقابلة معاوية الجميلة لابن حجر فى ضمائرنا نحكم أن أخلاق أشراف القبائل العربية قد تبدلت فى عصر السعادة تبدلا جذريا.

قد فهم متكبرو الطوائف العربية أن الكبر والعظمة من الصّفات التى توجب غضب رب العزة وأنهم لا شك قد أصلحوا من أخلاقهم فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم إلا أن المرويات الآتية تثبت أنه كلما ابتعد عصر السعادة حدثت تحويلات كبيرة فى حال متكبرى العرب وشأنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>