أشير إلى عدم كفاية اللبن، إلا أننى قد أخذت منه الجواب المعجز إذ قال:«ما عليك إلا أن تأتى بهم فالله-سبحانه وتعالى-ينعم بالبركة للبن» فذهبت إلى أصحاب الصفة وسحبتهم خلفى حتى عفرت وجهى بتراب أرجل الرسول صلى الله عليه وسلم وشربنا من ذلك اللبن حتى شبعت بطوننا وقدح اللبن ينتقل من يد إلى يد ولم تنقص قطرة من لبن القدح، إلا أننا لم نستطع أن نشرب أكثر مما شربنا وقد شبعنا إلى درجة أنه بعد أن شربنا بحرص الجائع أصبحنا نتنفس بصعوبة.
يفهم من تعريف أبى هريرة هذا أن فقر أصحاب الصفة وشدة حاجتهم لم يكونا ينقصان من قدرهم لدى النبى صلى الله عليه وسلم بل كان يزيد قدرهم عنده كلما زاد فقرهم وحاجتهم وكلما كان حامى دين الإسلام-عليه الصلاة والسلام-يشرف مسجد السعادة كان يلاطف المشار إليهم ويطيب خاطرهم بالحديث إليهم وعقب الصلوات كان يستدعى كل واحد منهم على حدة إلى مجلسه مجلس الملائكة ويستفسر عن أحوالهم.
فى الوقت الذى أخذت القبائل ترسل سفراءها لغرض قبول الإسلام، وعندما كثر القرشيون فى المدينة دار السكينة متحيرين بين قبول الإسلام ورده، حسد أشراف قريش ما يظهره النبى صلى الله عليه وسلم نحو أهل الصفة من آيات المودة وأخذوا يتقولون فى طرد المشار إليهم من المجلس النبوى وإبعادهم منه، حتى إن الأقرع بن حابس التميمى وعيينة بن حصن الفزارى والآخرين نالوا شرف حضور المجلس النبوى ورأوا أن ثلاثين من أصحاب بدر الفقراء يحيطون بالنبى صلى الله عليه وسلم كهالة القمر فأخذتهم العزة والغرور بالإثم وخرجوا عن شعورهم ووعيهم وقالوا: «يا رسول الله أبعد عن مجلسك العالى ابن مسعود، وبلال الحبشى ومقداد بن الأسود وسلمان الفارسى وصهيب بن سنان الربيعى وأمثالهم من الغرباء! إننا من العظماء الذين يرعى جانبهم بين الأقوام القرشية فيجب رعاية جانبنا، نحن نتحادث مع ذاتك الكريمة ونستفسر عن الإسلام ونستمع إلى الأحاديث والقرآن، إن الوفود العربية تأتى وتذهب بكثرة ويروننا بين أسافل الناس، وإن هذه الحالة تجلب لنا العار!! إننا ذوو قدر وتوقير بين الناس، فإذا ما