لا تستطيع أن تتقدم خطوة من المكان الذى أمرت بأن تقف فيه، ولا تشغلوا أنفسكم ولا تتعبوها بغية ضيافتى واتركوا زمام ناقتى كما أمسك بزمام الناقة من سكان حى بنى سالم ومن أغنياء المدينة المنورة ورؤسائهم «عتبان بن مالك، ونوفل بن عبد الله بن مالك بن عجلان» و «عبادة بن الصّامت بن نضلة» وقالوا:
«يا رسول الله! بما أننا نفوق البطون الأخرى كثرة فى العدد ووفرة فى الغنى فنحن أقدر على رعايتكم» وطلبوا نزوله عندهم راجين إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاب قائلا: «لا تتعرضوا لناقتى إذ إنها مأمورة من قبل الله تعرف مكان النزول».
وحينما وصل خطيب منبر الرسالة-عليه أكمل التحية-إلى مسجد بنى سالم، فألقى خطبة فى الأصحاب ذوى الاحترام الذين وجدوا فى ركاب النبى السلطانى ثم ركب راحلته وأمال زمامها إلى الجهة اليمنى من الطريق وكم كانت خطبته البليغة المعجبة فصيحة حتى إن سكان الملأ الأعلى صاحوا محسنين لها.
عندما وصل فى محاذاة منازل بنى حبلى أراد أن ينزل عند دار «عبد الله بن أبى»،إلا أنه أرخى عنان ناقته لعدم وجود صاحب الدار فى منزله وعندما وصل إلى محلات «سعد بن عبادة» وبنى ساعدة تلاقى مع «منذر بن عمرو» و «أبى دجانة» وفى الأمام مع «سعد بن الربيع» و «عبد الله ابن رواحة» و «بشر بن سعدة» وفى حى بنى بياضه مع «زياد بن وليد» و «فروة بن عمرو» و «عدى بن النجار» وإن كان هؤلاء أيضا أرادوا أن يستضيفوه إلا أنهم تلقوا نفس الإجابة التى سبق ذكرها.
وأراد جمهور المؤرخين أن يثبتوا أن الضيافة قد عرضت على النبى صلى الله عليه وسلم أولا من بنى بياضة وبعدهم من بنى سالم وعقب ذلك من بنى عدى بن النجار إلا أن ابن إسحاق قال إنه قد عرض عليه صلى الله عليه وسلم النزول أولا من بنى سالم ثم بنى بياضه وبعدها من بنى الحارث وفى النهاية من بنى النجار. وكلما كان النبى يركب البراق-عليه صلوات الله الرزاق-يجيب الذين يرجونه النزول عندهم الإجابة سالفة الذكر كانت الناقة كريمة الأطوار تنظر يمينا ويسارا، ونهاية الأمر بركت أمام بئر جمل وعندئذ أحاط به أبطال بنى النجار وأخذوا يزورون النبى صلى الله عليه وسلم.