إلى المسجد فى خطبته الثانية فأسرع الأصحاب بسدها كلها وقال بعض الرواة إن الباب الذى استثنى عن السد هو باب على بن أبى طالب، ولما كان بيته بجانب المسجد لم يكن له باب آخر، ونقلوا بخصوص سد الأبواب كثيرا من الأحاديث المتباينة، وقد ورد فى بعض تلك الأحاديث استثناء باب أبى بكر الصديق وفى الأحاديث الأخرى استثناء باب على بن أبى طالب، وإذا ما قيل إن الأمر الذى صدر بسد الأبواب كان فى خطبتين استثنى فى الأولى سد باب أبى بكر الصديق وفى الثانية باب على بن أبى طالب، وبهذا نكون قد وفقنا بين الروايات المختلفة، وكان الأمر بسد الأبواب كان نظرا لما سيحدث من الانقلابات فى الأزمنة الآتية، لأنه كان قد فتح لجميع المنازل التى حول المسجد أبوابا تنظر إلى المسجد الحرام، فإذا لم تكن الأبواب قد سدت كانت المنافسة التى ظهرت قليلا رويدا كانت تؤدى إلى توسيع المنازل وعندئذ ستلتصق جدران المنازل بجدران مسجد السعادة، وهذا قد يؤدى إلى الحريق، كما أن صياح الأطفال ومشاجرتهم كانت ستسلب راحة بال جماعات المصلين كما أن ترك تلك الأبواب مفتوحة ستؤدى إلى محاذير مضرة، وإذا ما قيل إن فى هذه الحالة كان يقتضى الأمر سد باب على بن أبى طالب كغيره من الأبواب التى طلب صلى الله عليه وسلم سدها فما السبب فى تركه مفتوحا؟ أجيب: إن دار على بن أبى طالب كانت متصلة بالمسجد الشريف ولم يكن لها باب آخر يفتح إلى جهات أخرى وبما أنه كان محتاجا لباب للدخول والخروج ترك بابه مفتوحا.
وقد انزعج الأصحاب الكرام من انسداد الأبواب وتأثروا متألمين ومن هنا أخذوا من النبى صلى الله عليه وسلم إذنا بفتح نوافذ صغيرة فى بيوتهم، وسدوا أبوابهم وفتحوا نوافذ صغيرة، ولكن النبى صلى الله عليه وسلم أمر قبل وفاته بسد تلك النوافذ أيضا وترك نافذة أبى بكر الصديق مفتوحة، وكأنه ألمح بهذه الإشارة الخفية لزوم بيعة المشار إليه والإسراع بتصديق خلافته.