للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان هدف الشهيد نور الدين من توزيع العطايا أن يجد أو يتعرف على الخائنين من بين أهل المدينة وأن يعاقبهما العقاب الذى يستحقانه، وأخذ الناس يردون إلى حضرته ليحصلوا على عطاياهم، وكان يقارن وجوه كل من أتوه بصورة وجوه هذين الشخصين اللذين رآهما فى منامه؛ وكان متلهفا لإظهار هذين الشخصين ولكن للأسف لم يتمكن من العثور على هذين الشخصين ضمن الذين حضروا لتلقى الصدقة، وانقطع سيل الواردين من أهل المدينة، عندئذ قال: «أليس هناك من لم يأخذ صدقته؟! إذا كان هناك من لم يأت استدعوهم لينالوا صدقاتهم». «فقالوا» لن يأتى أحد لأخذ الصدقة لأنه لم يبق هناك أحد؛ إلا أن هناك شخصان يتصفان بعزة النفس وزهد عن الدنيا وهما من أهل المغرب ومعروفان بكمال الصدق والعفة وهما فقيران مستدينان ولن يقبلا أخذ الصدقة»،وعندما تلقى هذا الرد قال: «لا، لا بد من إحضارهما أيضا، وبهذه الإفادة الصائبة أمر بإحضار هذين الملعونين ظاهرى القذارة، ولما رأى مواطنو دار السكينة أن نور الدين مصر على رأيه، أحضروا مضطرين هذين اللذين تشبه سحنتهما سحنتى الغيلان، ولما كان هذان الشخصان يشبهان الخنزيرين اللذين أراه النبى صلى الله عليه وسلم تمام الشبه، أخذهما نور الدين إلى حجرتهما الكائنة (١) قرب حجرة السعادة ورأى كتبا نفيسة وأشياء غالية ولم يغتّر بشهادة الذين كانوا معه لهذين الوغدين بحسن السيرة، ورفع الحصيرة التى تغطى الحجرة فرأى نفقا عميقا وكان هذا النفق طريقا مائلا إلى السعة وينتهى إلى حجرة السعادة!! وكان سادات المدينة يشهدون بحسن سلوك هذين النجسين ويثنون عليهما، وعندما حدث ما حدث أحنوا رءوسهم خجلا واستحياء ولم يجدوا ما يقولون، وتولى نور الدين بنفسه استنطاق هذين الخبيثين وشمر ساقه مستفسرا عن حفر النفق، إلا أنهما أصرا على إنكارهما وهنا أمر بتعذيبهما وتهديدهما حتى يحصل على السبب الحقيقى فى حفرهما النفق، وضربهما ضربا مبرحا، وعندئذ عرف المغربيان أنهما لن يخلصا من آلة التعذيب بدون قول الحقيقة وشرعا فى


(١) كانت أبنية رباط‍ العجم فوق ساحة هذه الحجرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>