وقد فهم الحاضرون مما تفيده الآيات الكريمة من المعانى سبب مجئ أبى الفتوح وأخذوا فى القيل والقال وبعد منازعات طويلة ومناقشات مديدة قرروا أن يقتلوا الخوف والهم إلا أنهم قالوا:«إن البلاد الحجازية تحت الإدارة المصرية الآن، فإذا ما قتلنا أبا الفتوح فكأننا نثير غضب ملك مصر ونستدعيه ليبعث جنودا كثيرة إلى المدينة ليؤدب سكان دار السكينة، ومن رأينا أن نعيد أبا الفتوح إلى مصر صفر اليدين من هنا تفرق القوم وقد صرفوا النظر عن قتل أبى الفتوح، وانسحب كل واحد منهم إلى جهة ما وكونوا جماعات صغيرة وبادروا فى التشاور فيما يجب عمله بهذا الخصوص.
عندما رأى أبو الفتوح هذه الحالة فاق لنفسه واستجمع عقله وقال: «إن الخوف من الله خير من الاحتراز عن عباده، وإننى لن أتجرأ بعد ذلك على إجراء مهمتى وإن تأكدت أن ملك مصر سيهلكنى لعدم تنفيذ هذا العمل الشنيع».
وقد بلغ قلقه واضطرابه حدا لم يعرف منهما كيف انصرف من المجلس، ومع ذلك كان يرجو أن يظهر فى الميدان حكمة ما تسكن من غيظ وحدة ملك مصر، وبعد انتهاء الاجتماع ظهرت عاصفة شديدة وترك أهالى المدينة دون عقل وشعور وكأن الكرة الأرضية قد تحركت وأخذت تضرب الحيوانات بعضها ببعض الحيوانات التى تسير فى الصحارى والحقول والجبال فأتلفتها جميعا، وهذه الحالة كانت باعثا للفرح والسرور لأبى الفتوح، إذ عاد إلى مصر دون تأخير قائلا:
«أعرض على ملك مصر هذه الحالة المفزعة وأعتذر له عن عدم تنفيذ أمره».