مركزا تجاريا، وقام الصليبيون ببناء بعض الحصون فيها كما أن الأيوبيين قاموا بتعميرها وإصلاحها بصورة رصينة متينة حتى أصبحت فى حالة فوق العادة من العمارة ومازالت بعض قلاعها قائمة إلى الآن آثار ملك الفترة المزدهرة.
وقع أرناط فى سنة ٥٧٨ هـ فريسة لفكرة نبش مرقد النبى المنير ونقل جسده الشريف تلك الفكرة الخائبة، ومن هنا أمر بصنع بعض المراكب الصغيرة فى قلعة (كرك) وأوصلها إلى البحر الأحمر جرّا على اليابسة، كما أرسل ثلاثمائة وخمسين نفرا من الأشقياء السفلة لاستخدامهم فى تسيير المراكب ولإرسالهم إلى المدينة المنورة إذا اقتضت الأحوال.
وكان غرضه أن يؤخذ الجسد النبوى الطاهر إلى ميناء ينبع ومن هناك إلى بلاده، ولما وصلت تلك المراكب إلى ميناء ينبع تكونت جماعة كبيرة مع العربان الذين وافقوا على الفكرة وترك فى الميناء قدر كاف من الحراس لحراسة السفن وأخذ الباقى يتسرب إلى ناحية المدينة المنورة منفردين، ثم اجتمعوا فى مكان معين وأخذوا يتقدمون، ولما وصل هذا الخبر الذى أثار الدهشة إلى مسامع من يعرف بين المشايخ باسم الشيخ محيى الدين النووى فى الشام ظنّ أنّ والى الشام يريد إرسال الكتب النفيسة التى فى مكتبة الجامع الأنورى الشريف إلى ديار أخرى.
وعندما اطلع الإمام على حقيقة الأمر ذهب إليه وأراد أن يثنيه عن قراره بكلام لين ونصيحة خالصة، ولما رأى أن كلامه لا يؤثر فيه غير كلامه وأخذ يهدده بفقرات باردة، وظن الوالى أن الإمام شخص عادى كآحاد الناس فأمر بحبسه وتوقيفه فابتدر من بجانبه الشّيخ ليحملوه معهم، لكن فراء الأسود والنمور التى كانت مفروشة فى الحجرة تراءت لهم كالحيوانات المفترسة الحية فامتلأ قلب الوالى بالخوف والفزع ولا سيما قلوب الذين كانوا أمسكوا بالإمام وهكذا جعلتهم يفرون جميعا، وبناء على ذلك ثاب الوالى إلى رشده وندم على ما فعل وطيب خاطره وقبل يده وقدمه إنقاذا من هذه الورطة المخيفة المفزعة.