ونصب حليم أفندى على الجبل المذكور الخيم وبعث الآلات والأدوات اللازمة: النجارين، والحجارين وفتح منجما فى قمة الجبل، ورفع الصخور التى عليه فاستخرج قطع حجارة كبيرة وأمر بنحتها لتكون صالحة للاستعمال.
لأن الحجارة التى استخرجت كانت غير قابلة للنقل من جهة إلى أخرى فضلا عن نقلها وحملها على الجمال، وفى الآخر سوى الطرق التى بين الجبل المذكور والمدينة المنورة، وهيأ مكانا واسعا خاصا بالحجارين، وبعد مدة عين محمد رشيد أفندى محافظ المدينة وكيلا له ثم عين شريف أفندى من أقاربه لرياسة معتمر العمال، ولما ذهب إلى مكة لأداء فريضة الحج انقطعت أنفاسه الأخيرة فى منى وارتحل عن دنيانا، ورحل حليم أفندى الذى أتى من باب السعادة كما أن أشرف أفندى هو الآخر قد ارتحل عن دنيانا فى منى أيضا بعد وفاة حليم أفندى.
وكان هذا الشخص قد أرسل من قبل حليم أفندى إلى باب السعادة بعض ذهب مجيدى من فئة مائة، وإثر وفاته قد اخذت هذه المبالغ الذهبية بمعرفة الحكومة وأرسلت إلى شورى هيئة البناء المقدس. وإن كان حليم أفندى قضى ما يقرب من ستة أشهر فى مهمة البناء المقدس وبذل جهده لأداء عمله على أحسن وجه إلا أنه فى أثناء هذه المدة وجد المعدن المذكور وسهل الصعوبات التى ظهرت فى نقل تلك الحجارة من الجبل الأحمر ومهده وبنى محلا خاصا لتقطيع الحجارة ونحتها فى موقع يطلق عليه دار الضيافة وجهز الآلات والأدوات اللازمة فقط ومن هنا لم تتقدم عمليات مسجد السعادة.
وعقب وفاة حليم أفندى أرسل رجل يصدق لدى الباب العالى درايته وأهليته، لكشف أبنية مسجد المدينة المسعودة ومعاينتها إلى دار السكينة، وقرر فى مجلس الوزراء الخاص تفويض هذا الأمر الجليل إلى محمد أسعد (١) مؤلف «دريكتا» من أجلاء العلماء المتبحرين الذى قرر أن يذهب فى تلك السنة إلى
(١) محمد أسعد أفندى المشار إليه يعرف باسم إمام زاده وكان فى ذلك الوقت من أعضاء المجلس الأعلى.