ومواقعها بالمرة، وكانت الأعمدة التى أضافها حضرة عمر وعثمان-رضى الله عنهما-كان بقصد توسيع مواقع الصلاة وبإجماع آراء الصحابة وبما أن هذه الأساطين قد ركزت باتفاق الصحابة وإجماعهم ولم يتجرّأ أحد إلى الآن على تغيير طرزها وهيئاتها، يقتضى النظر إليها على أنها من الآثار أيضا ولا يجوز تغيير هيئاتها أو تقليلها بحجة التناسق الفنى، ولا بأس فى تغيير غير هذه الأعمدة، كما أنه لن يحدث تناسب بتقليل عدد الأعمدة وتغيير أماكن الأعمدة التى أضافها السلطان مراد الرابع طاب ثراه والسلطان قايتباى المصرى، ومع هذا كانت القباب التى صنعت وأسست فى عهد السلطان محمد الرابع كانت قد أسست فوق الأساطين التى كانت قائمة فى ذلك الوقت، ولما كانت الأساطين التى ستؤسس وتوضع عليها عقود الباب التى تصنع الآن تستدعى التعمير والترميم لميلها وقرب سقوطها فإذا ما رممت على هيئاتها الحاضرة، وبهذا يراعى جانب الآثار القديمة، وامتنع عن تغيير صورها وهيئاتها وإذا ما صنع ما قرّر تعميره من الأساطين القديمة من الحجر الأسود حتى تشبه الأساطين الأخرى، فهذا هو رأينا».
إلا أنهم لم يستطيعوا أن يقنعوا محمد رائف باشا فعرضوا الموضوع إلى باب السلطان ذى القرار العادل وتسببوا فى صدور الفرمان السلطانى الذى سطرت صورة منه فى ذيل المقال.
ادعاءات الأهالى هذه جديرة بالتصديق والقبول، لأن داخل حرم السعادة لا يقاس بمؤخرة المسجد ولما كانت هذه الجهة قد جددت وفق الخريطة التى وضعت لها وكان لتجديدها مسوّغ شرعى صريح، وأجرى لها ما يلزم، ولما ثبت بالدلائل الواضحة أن أحدا لم يتصّد لتجديد الحرم الشريف بإحداث التناسب فى داخله ولم يقدم أحد على تغيير رسمه ومحله، ومن هنا لا يجوز تغيير تجليات الآثار القديمة بتقليل عدد أساطينها وتغيير نقطها أو توسيع مواقع الصلاة فيه فهذه أفكار فجة سطحية، فتخريب الوليد بن عبد الملك حجرات زوجات النبى العليا لم تؤد إلا إلى انقراض الدولة الأموية وزوالها.