فى الليلة تركت (أدنى ابنة نمرة) إبراهيم عليه السلام-فى الغار، ذهبت إليه وهى تردد سرا يا ترى كيف حال فلذة كبدى ألا أذهب إليه ثانية لأرى ما إذا كان حيا فأرضعه، وقد وجدته على قيد الحياة، فأرضعته ورجعت.
وكان جبريل الأمين قد قطع حبل سرة سيدنا إبراهيم، وألبس على ظهره حلة بيضاء وأذن فى أذنه وأجرى الأصول الإسلامية المعتادة.
ولدى مجئ أم سيدنا إبراهيم كان-عليه السلام-يضع أصابعه فى فمه ويرضع منها وكان يقطر من أحد أصابعه عسل ومن الآخر ماء ومن الثالث سمن، ومن الرابع لبن، ومن الخامس لبن التمر. وتعجبت الأم من هذا الحال وسعدت به.
وكانت تذهب دائما إلى الغار المذكور لإرضاع ابنها، لكنها اجتهدت فى كتم ما يحدث وإخفائه حتى عن زوجها آزر.
أما سبب هذا التكتم والإخفاء، فقد كان لسلوك آزر غير المناسب، فعند ما علم بحمل زوجته-بدافع من إخلاصه للنمرود-فقرر تسليم المولود إذا كان غلاما للنمرود، وأخذ من زوجته عهدا وميثاقا في هذا الشأن.
أما زوجته وبدافع من طبيعتها كامرأة، فقد اتبعت آزر وعقدت معه هذا العهد، ولكنها ندمت بعد ذلك وأخذت تفكر تفكيرا عميقا وتحدث نفسها قائلة:
يا ترى كيف يمكننى أن أجد حلا لهذا الأمر؟ وكيف يمكننى أن أخلص فلذة كبدى -إذا جاء غلاما-من يد آزر.
ولعلمها بمدى محبة آزر لها وميله نحوها، ولتأمن أيضا من قتل وليدها إذا جاء غلاما من قبل أبيه، أخذت تحدث نفسها عند ما اقترب أوان وضع حملها قائلة وإننى إذا وضعت غلاما فإنه سيقتل ساعة ولادته وهذا سيؤدى لفرط عطفى عليه وشدة حبى له لقتل نفسى ولا شك فى ذلك. وبدلا من التعرض لمخاطرة كهذه أقول فبحق الحب السائد بيننا أن تتجه إلى آلهتك وترجوهم ساجدا ألا أضع غلاما بل أنثى «وهكذا أرسلت آزر (١) إلى دار الأصنام معبد آلهتهم، بينما ذهبت
(١) كان هدف أدنى بنت نمرة من هذه الحيلة أن تحفظ مولد سيدنا إبراهيم بعيدا عن أبيه آزر وإنها كانت حيلة فى محلها.