ولما كان النبى صلى الله عليه وسلم يحب العجوة حبا جمّا أمر ورغب أهالى مكة فى أكل هذا البلح، ولما كان الأصحاب الكرام يعملون بموجب الأمر النبوى أحبوا بلح العجوة وأقبلوا على أكله وفق تعليمات النبى صلى الله عليه وسلم، وما زال أهل المدينة يراعون هذه الأصول إذ يجمعون بلحهم فى موسم الجنى ويملئون به أزيار ويأكلونه فى أيام الشتاء وإنهم يحرصون على حفظ البلح أكثر من أى شئ آخر، وليس هناك مدنى لم يحفظ فى أيام الصيف ما يكفيه من العجوة لأيام الشتاء.
وفى إستانبول يعد الناس الحطب والفحم، وفى البلاد العثمانية الأخرى يعدو للشتاء جريش البر المسلوق «برغل، وما يلزم لحساء «طارخنة»(١) والذين لا يخزنون هذه الأشياء فى مواسمها يعانون كثيرا فى الشتاء ويتعبون، هكذا يعانى من لم يخزن بلح العجوة فى الشتاء من سكان دار السكينة ويتعبون كثيرا، وما زالت هذه العادة قائمة إلى الآن بين أهالى المدينة، ولكن ما جمعوه وادخروه من البلح على أنه عجوة ليست من العجوة المأثورة، ويطلع على ما يدخرونه من البلح «مجلات وحشية» وهو خليط ومزيج من هجين نوع من البلح، ولما كان هذ النوع من البلح أرخص ثمنا فعربان البوادى والفقراء من الناس يرغبون فى تخزينه ظنا منهم أنهم يخزنون بلح العجوة، أما الأغنياء من الناس يخزنون للشتاء بلحا من جنس «حلية، شقرى، بيض، حلوة» وثمن هذه الأنواع أغلى بالنسبة للبلح المخلوط.
ويبين مؤرخو المدينة الطيبة سبق تسمية بلحها بأسماء معينة ويقولون فى تعريف بلح الصيحانى: إن نخلة قد صاحت مصدقة للنبوة أو أن البلح نبت أولا فى حديقة يطلق عليها الصيحانى، والذى نقل القول الأول هو جابر بن عبد الله الأنصارى، ولما كان هذا القول يروى مستندا إلى أسانيد جيدة يرجح على القول الثانى وتؤتى هذه الرواية بكرامة أهل البيت وقربتهم وشرفهم.
وقال حضرة جابر وهو يبين سبب تسميته بلح الصيحانى، كنت قد ذهبت يوما
(١) نوع من الحساء يصنع من الزبادى أو الحليب المتخمر ويخلط بالدقيق أو بماء اللحم ثم ينشف فيطحن.