المدينة أو كان لدى المجاورين والمسافرين الواردين، كما أن المدققين من الزوار يزيدون من محبتهم ورعايتهم لأهل المدينة إذا جربوا ذلك ورأوا بأعين رءوسهم ذلك الفيض وتلك البركة.
وإذا كانت الأشياء محسوبة لهذا البلد هذا القدر من الفيض والبركة لا شك فى أن أهالى ذلك البلد يفضلون الآخرين فى أمور دينهم وآخرتهم وبناء على هذا فإن طاعات وعبادات سكنة دار الهجرة تستلزم تضاعف أجرها ومثوبتها.
وكان أهالى دار الهجرة فى عصر النبوة عند ما ينضج التمر ويصل إلى كماله، يأخذ كل واحد منهم عنقودا من التمر ويقدمونه لعتبة رسول الله حتى ينالوا دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمسك التمر بيديه المباركتين ويدعو لأهل المدينة بسبب ما يؤخذ إليه من البلح الطازج قائلا: اللهم أنعم على مدينتنا وأكيالها بالبركة، يا رب كان إبراهيم عبدك ورسولك، وإننى عبدك ورسولك، وقد دعا إبراهيم لمكة المكرمة، وأنا أدعو أن تنعم بمثل ما أنعمت على مكة المكرمة من الفيض والبركة على المدينة المنورة، وشرف فى يوم ما مع على بن أبى طالب المحل الذى كان يسكنه سعد بن أبى وقاص فى «حرة سقيا» وتوضأ الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان ثم استقبل القبلة ودعا قائلا: اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك ودعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك فى مدهم وصاعهم مثلى ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين، وقال ابن شبّة: إن ملك السرائر المصطفى-عليه من الصلوات أصفاها-قد كبر فى خاتمة دعائه.
وخرج رئيس ينابيع الفيض والبركة-عليه أصفى التحية-فى يوم ما للذهاب إلى مكان يقال له «بيرحاء» فى نواحى المدينة المنورة، وكان فى معيته أبو هريرة-رضى الله عنه-،وعند ما وصلا إلى المكان المذكور استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه حتى ظهر بياض إبطيه تحت منكبيه وقال: يا رب كان إبراهيم خليلك ودعا لأهل مكة، أنا أيضا رسولك، أدعو لأهل المدينة طالبا الفيض