وعند ما بلغ «قصى بن كلاب» مرامه بالحكومة الجليلة لأم القرى أتى بقومه وقبيلته وجمعهم وقال لهم: أيها القوم الكرام إذا بنيتم بيوتا ومساكن حول كعبة الله، لن تتمكن بقية الطوائف من طردكم وإبعادكم عن الأراضى الحجازية المباركة، بناء عليه أوصيكم أن يبدأ كل واحد منكم فى تهيئة مسكن له وبنائه حول بيت الله من جميع جوانبه فلما أجابه ذوى الأمر والنهى من جماعات قبائل قريش بقولهم أنت رئيسنا وسيدنا، ونحن نوافق على كل ما تأمر به ونتقبله قبولا حسنا فبادر بنفسه ببناء دار الندوة (١) بعد أن أعلن أنه سيتخذ من هذه الدار مقرا للحكم وقسم جوانب البيت الشريف الأربعة على طوائف قريش وعينها لهم، وأمر أن يقوم أفراد القبائل على الفور بوضع أساس البيوت والمنازل وأن يتركوا مكانا خاليا حول بيت الله للطواف. ولما استصوبت قريش رأى قصى بن كلاب، قدحوا زناد فكرهم وبدءوا فى بناء منازل وتزيينها فى الأماكن التى بينها لهم. ولم يبنوها حول أطراف بيت الله الأربعة، وجعلوا أبواب البيوت كلها تفتح فى اتجاه الكعبة المعظمة، وتركوا طريقا واسعا بين كل منزلين يسمح بالدخول إلى المطاف السعيد.
والمكان الخالى الشريف الذى تركوه بين بيت الله وبين البيوت التى بنوها هو المكان المقدس الذى يطلق عليه الآن اسم المطاف السعيد.
وبقيت البيوت التى بنيت فى عهد ابن كلاب على شكلها وطرازها الذى شيدت عليه فى البداية حتى عصر الفاروق الأعظم، وفى زمن خلافة سيدنا (عمر بن الخطاب) هدمها كلها وأدخل أراضيها ضمن ساحة المسجد الحرام، ووسع (عثمان بن عفان) وبقية أصحاب البر والإحسان دائرة الفيوضات الباهرة للحرمين الشريفين على النحو الذى سنذكره بالتفصيل فى موضعه، وجددوه على الصورة التى عليها الآن.
***
(١) رغم أن مجموعة من المؤرخين يقولون إن كعب بن لؤى قد بنى دار الندوة إلا أن ظنهم هذا غير صحيح.