كانوا يتخذون فى أسفارهم صنما كإله لهم، كما كانوا يوجدون فى بيوتهم أصناما وكانوا يزورونها ويتذللون لها حين خروجهم للسفر أو عودتهم منه وإنهم كانوا لا يعودون إلى بيوتهم قبل زيارة بيت الأصنام، ويتذللون لها ويظهرون خضوعهم لها بعد رجوعهم من السفر.
فى تلك الفترة التى خلت من الرسل كان بعض أفراد قريش يتعبدون لهبل الذى جلبه «عمرو بن لحى» من أرض البلقاء ونصبه فى داخل الكعبة، والآخرون يتعبدون لإساف ونائلة المنصوبين بالقرب من الكعبة المعظمة وبئر زمزم، وكانوا يطوفون حولهما ويذبحون لهما القرابين.
ويقال إن «إساف» المنصوب بالقرب من بئر زمزم بن بقى أو يعلى أو بغا أو عمرو من طائفة الجراهمة و «نائلة» هذه بنت ديك أو زيد بن جرهم أو سهيل أو ذئب أو عمرو بن ذئب من أقوام قطورا.
وبناء على قول منقول عن عبد الله بن عباس-رضى الله عنهما-أن إساف ونائلة أحبا بعضهما فى أرض اليمن، وحينما كان الجراهمة على ضلال خرج العاشقان إلى طريق مكة المكرمة بغية الحج، وحينما وصلا إلى مكة وجدا الكعبة الشريفة خالية من الناس وارتكبا جريمة الزنا فى داخلها، وكان جزاؤهما لحكمة ما أن تحجرا. وأخرج أهل مكة هذين المتحجرين خارج الكعبة، وركزوا إساف على جبل الصفا، ونائلة على جبل المروة، ترهيبا للذين يفكرون فى ارتكاب مثل هذه الجريمة وتشهيرا لهما، وبعد فترة نسى سبب تحجرهما، وفى نفس الوقت تولى رئاسة حكومة الحجاز عمرو بن لحى، وصدق بين العرب ألوهية هبل، فما كان من عمرو إلا أن وضع واحدا من الصنمين بجانب الكعبة الشريفة، والآخر بالقرب من بئر زمزم، أى وضعهما بين الكعبة الشريفة وبئر زمزم اللطيفة، وأمر الناس بعبادتهما وتقديسهما.
وأخذ عرب الجاهلية منذ تلك الأوقات يتعبدون لهما، ويضعون الهدايا الواردة من الأطراف والأكناف بين إساف ونائلة متبركين بهما، وكانوا يبدءون بالطواف من إساف وينتهون عند نائلة، وكان من عاداتهم أن يقبلوا الصنمين عند بدء الطواف والانتهاء منه.