وكان العمال الذين استخدمهم (إبراهيم بك) عددهم أربعمائة نفر من جنس العبيد وكانوا يصلحون لعمليات الحفر فعمقوا وطهروا مجارى العيون من (أوجر) إلى حدود (المزدلفة ولما كانت عمليات الحفر بعد (المزدلفة) أشق طلبوا مزيدا من العمال وأبلغ إبراهيم بك عدد العمال إلى ألف وبذل جهودا جبارة وأظهر مروءة عظيمة، وأنفق أكثر من ألف قطعة ذهبية، إلا أن العمل أخذ يتأخر يوما بعد يوم ويتباطأ، ولما رأى أن حفر وتعميق المجرى الكائن بين المزدلفة ومكة المكرمة فى حكم المستحيل، عرض الأمر إلى الجهات العالية، واستقدم من صعيد مصر والشام وحلب واليمن وباب السعادة إستانبول عمالا متخصصين فى حفر الآبار ومجارى المياه والحدادة والبناء ووزع لكل واحد منهم عمله لإجراء التعميق، إلا أنه فهم أن مجرى الماء ينتهى عند بئر زبيدة وراح فى تفكير عميق فى الندامة والحيرة؛ لأن السيدة زبيدة لم تستطع أن تحفر مسافة ألف ذراع معمارى بعد البئر الذى ينسب لها فتركته وأجرت مياه عرفات إلى مجرى حنين ووحدت بين الجدولين، واستطاعت أن تدبر مقدارا من المياه يكفى لأهل مكة ولم توحد بين عين عرفات ومجرى عين حنين بتغيير مجراهما؛ كان عليها أن تنشغل بنقب وثقب قطعة واحدة من الصخرة التى يبلغ طولها ألف ذراع معمارى وعرضها مع عمقها خمسين ذراعا.
وكان فى هذا إنفاق للمال عبثا، وأكد فكرة أن إنجاز هذا العمل خارج طاقة الإنسان ولأجل ذلك تركت ذلك المكان، وقررت أن توجد بين مجرى عرفات ومجرى مياه حنين وتوصلت إلى هدفها عن طريق أوفق لغايتها.
وأراد إبراهيم بك من شدة حيرته واضطرابه أن يقوم بعمل لم تستطع أن تقوم به السيدة زبيدة، وتخيل أنه يستطيع أن يثقب ذلك الطريق الحجرى بطريقة أو بأخرى فحفر أولا وعمق مكانا ليبلغ طوله سبعة أذرع وعرضه خمسة أذرع وأمر برفع ما عليه من التراب، ثم جلب من جبل جزل حمل مائة بعير من الحطب وأراد أن يعمق بحرق الحطب فى داخل ما تم حفره ما مقداره خمسين ذراعا إلا أنه لم يستطع أن يحفر فى ليلة كاملة إلا مقدار إصبعين كسره بأدوات حديدية،