السلطان سليمان انتهى فى عهد السلطان سليم، وغبطت بلدة الله بكثرة مياهها، ودخل ماء عرفات فى داخل المدينة، وروى الحجاج العطاش وأخذ أهالى مكة المكرمة والمجاورون ذوى الاحترام يحتفلون، ويحث بعضهم البعض على الدعاء بالخير للسلطانين المشار إليهما ويقولون: إن الأعمال الخيرة الجميلة التي لم يقدر على القيام بها أى واحد من السلاطين السابقين والخلفاء المعتمدين، قد قدرت ويسرت لهذين السلطانين العظيمين.
وفى اليوم الذى وصل فيه الماء إلى المدينة المقدسة مكة الله أقام المفتى السابق الذكر حسين بن أبى بكر الحسينى فى رياض الأبطح لجميع الأهالى وليمة عظيمة، وذكر جهود السلطان وفتح صنابير جميع الينابيع وملأ مستودعات مياه الينابيع بحلو الشراب وسقى الأهالى، واستجلب الدعوات لطول بقاء الدولة العثمانية.
ومما يروى عن ثقة أن الأطعمة التى قدمت فى هذه الوليمة كانت عظيمة وافرة إذ نحر مائة جمل ومثلها من الأغنام، وأقيمت الخيام لجلوس القوم كل حسب مكانه وشرفه ودعا إليها أعيان القوم وأشرافهم وعلماءهم وصلحاءهم، وقدم لهم الطعام وبعد الطعام ألبس المهندسين ومهرة العمال الخلع، ووزع على الآخرين العطايا السنية وأبلغ بكل ما تم عمله لجلب قلوب الناس إلى السلطان الموصوف بمكارم الأخلاق، فما كان من السلطان إلا أن أرسل الخلع الفاخرة وعطايا كثيرة من إستانبول لتوزيعها على الذين خدموا فى توصيل العين المذكورة بجد وصدق من الأهالى. أما المفتى الشافعى القاضى حسين بن أبى بكر الحسينى المشهود له عند الجميع بجهوده العظيمة وعظيم بلائه فقد كرم أعظم تكريم مما ملأ قلبه بالعظمة والسرور، وفى حقيقة الأمر إن أهل مكة كانت حاجتهم شديدة إلى ماء جار مثل عرفات؛ لو لم توصل كريمة السلطان مهرماه عين زبيدة إلى مكة المكرمة لما بقى لأهل مكة إلا واحدا من الحلين الاثنين: إما أن ينتقل أهل مكة إلى بلاد أخرى يهاجروا إليها، وإما أن يتحدوا جميعا ويصرفوا كل ما فى جهدهم ليطهروا مجرى عين زبيدة والعمل على جلبها من جبل الرحمة.