بصلاة الجماعة، فذهب إلى الحرم الشريف لصلاة العصر، وبعد أداء الصلاة خرجت من باب الصفا كالعادة واستطعت بصعوبة أن أصل إلى مراقى طاق الصفا، وقد رقد الناس على طرفى الطريق ولم يبق فى طريق المسعى مكانا لقدم من كثرة جثث الموتى المسلمين.
ولما رأيت كثرة الجثث وقد رقد زيد على عمرو فزعت بشدة، ولم أستطع أن أتقدم خطوة بعد طاق الصفا وظللت مستندا على مراقى الصفا وكأننى جماد بلا روح.
وبعد فترة صفع آذانى هاتف يقول: ألا تستحيى؟! ألا تؤمن بما جاء فى الآية الكريمة:{فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}(الأعراف:
٣٤) وإنك عالم بقدر ما، قد قرأت عدة كتب تفسير، وطالعت كتب الأحاديث إن شجرة الإيمان قد مدت جذورها فى روضة قلبك، وإذا ما تخلصت من وهم الخوف الذى استولى عليك وداومت على قراءة سورة {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ}(قريش: ١) فلا تحترز من شئ، وإذا ما قلت هذ السر لأى واحد تنقذه مما تلقيه الأوهام عليه.
واه! إن هذا لعيب وإثم كبير أيضا! وكأننى كنت ميتا قبل أن أسمع هذا الصوت، وكأن الصوت قد نفخ فى روحا ووهب لجسمى المنتفض الحياة.
فلم يبق أى أثر لهذه الأفكار التى أصبت بها فنظرت حولى، فوجدت أن ليس هناك نفر يتنفس، فوقعت مرة أخرى فى براثن الأوهام فسبحت فى أمواج بحر الاضطراب.
وفى النهاية فهمت أن الصوت من التلقينات الإلهامية، وأخذت فى قراءة السورة المباركة التى سبق ذكرها، وأخذت الصور العجيبة والأشكال المخيفة التى ألقتها الأوهام فى نفسى تزول تدريجيا، ولما وجدت فى جسمى قوة كافية للتحرك، قمت واتجهت إلى بيتى وأنا أقرأ سورة (لِإِيلافِ) ولما وصلت إلى بيتى نبهت الجميع بلزوم قراءة السورة المذكورة والاستمرار فيها. ولما رأيت أن أوهام الخوف قد زالت عن أهلى أيضا أصبحت أوصى كل من أصادفه بقراءة سورة (لِإِيلافِ). ولم يبق فى جميع الذين استمروا فى قراءة هذه السورة آثار