وكان يسلك الذكور والإناث فى السلاسل على نحو بشع مهين، وألحق الهزائم بمن تصدى له من الجند وكان ذلك عام ٣١٢ هـ، وبعد إغارة أبى طاهر على قافلة الحجاج هجم على معظم سواد الكوفة، وأعمل السيف فى الخلق فى ظرف ستة أيام، أقام فيها ونهب واغتصب كل ما وصلت إليه يداه فى سنة ٣١٣ هـ.
وعندما عرض الأمر على المقتدر بالله استصوب أن يوجه ضد أبى طاهر فرقة عظيمة من الجيش بقيادة يوسف بن أبى الساج. كان يوسف فى ذلك الوقت فى أذربيجان، وبمجرد ما أخذ أمر الخليفة توجه إلى الكوفة بجنوده الذين كانوا مهيئين. وكان قوام جيش ابن أبى الساج أربعين ألفا، أما جيش أبى طاهر فكان ألف وخمسمائة جندى منهم سبعمائة فارس.
ودخل يوسف بن أبى الساج المغرور بكثرة عساكره، وحاصر القرامطة فى موضع حصين ووجه سفيرا برسالة إلى أبى طاهر ليحدثه عن كثرة جيشه، ويوصيه فيها بالدخول فى طاعة الخليفة. فقال أبو طاهر لأحد أتباعه اقتل نفسك بسلاحك من أجلى، وبعد أن افتدى هذا الكلب «أبا طاهر» بالروح، قال للرسول لقد رأيت بعينيك كيف يطيعون أوامرى!! قل ليوسف أن يستعد، وبإذن الله سأقبض عليه غدا وأربطه مع الكلب فى حبل واحد، وأشار إلى الكلب الذى كان مربوطا بوتد خيمة.
وصرف الرسول وفى غد ذلك اليوم استطاع أن يقبض على يوسف بن أبى الساج مع أتباعه، وربطهم فى سلسلة ضخمة، وربط يوسف بجانب الكلب الذى أراه للرسول.
بعد أن كسب أبو طاهر هذه المعركة بهذا الشكل عبر نهر الفرات بثلاثمائة قرمطى، واستولى على بلدة الأنبار (١) التى تقع فى الجهة الغربية من بغداد دار
(١) الأنبار مدينة صغيرة فى الجهة الغربية من نهر الفرات، وكانت قديما مدينة عظيمة وبانيها بختنصر، ويقال إن أهل الحيرة نقلوا إليها، فى العام الثانى عشر للهجرة، وفتحها خالد بن الوليد - رضى الله عنه - فى خلافة الصديق - عليه رضوان الله - وفى عام مائة واثنين وثلاثين نقل أبو العباس السفاح أول خلفاء بنى العباس إدارة الدولة من الحيرة إليها، إلا أن المنصور اتخذ الهاشمية ثم بغداد عاصمة للدولة.