للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأداء فريضة الحج، فشاهد قوافل الإبل لا تنقطع عن حمل كل أنواع الفواكه والثمار إلى تلك البلدة المقدسة ليل نهار، فاعتراه العجب والتأمل.

وجلس الرجل الشامى فى ركن يتعجب ويتفكر فيما بينه وبين نفسه عاجزا عن تفهم هذا الأمر. وقال لنفسه: «لا بد أن وراء هذا الأمر العجيب سرّا، فرغم ما تحفل به بلاد الشام من حدائق وبساتين فى كل أطرافها، ومع هذا لا يتوفر فيها هذا القدر من الفواكه، بل من المحال أن يرى فى الشام دابة تحمل فاكهة فى أحد الشوارع بعد وقت الضحى، يبدو أن حدائق هذه البلدة وغاباتها وبساتينها تفوق حدائق وغابات وبساتين ولايتنا «الشام» وبعد أن أمعن فى التفكير فى هذا الأمر فترة طويلة خرج خارج المدينة بغرض مشاهدة بساتين هذا البلد الإلهى حسبما صور له خياله وذلك ليتحقق من صدق النتيجة التى انتهى إليها تفكيره، لكنه لم ير حول المدينة سوى جبال عارية جرداء، فازداد حيرة وتعجبا واستغرق فى التفكير وطاف من جبل إلى جبل حائرا حتى دخل المساء، فأقام حيثما كان، وراح فى النوم، ثم استيقظ‍ فجأة وكان الوقت فجرا، وإذا به يرى حوله مجموعة من الجمالين يحملون إبلهم أحجارا.

اندهش الرجل الشامى واعترته الحيرة لما رآه من تصرف هؤلاء الجمالين الذين صعدوا إلى الجبال فى هذه الظلمة الدامسة، وأخذوا فى تحميل إبلهم الحجارة.

وبعد فترة وجيزة عاد الجمالون، وسار الرجل فى أعقابهم واستمر الجمالون فى السير إلى أن وصلوا إلى المدينة الشهيرة مكة الله.

وأنزلوا أحمال إبلهم ووزعوها على أصحاب الحوانيت وبدءوا فى جمع ثمنها من النقود، وإذا بالأحجار المحمولة على ظهور الإبل كانت نوعا من الفواكه اللذيذة الطعم.

وظن الشامى أن ما جمعه الجمالون من الجبل وحملوا ظهور إبلهم أحجارا لم يكن سوى أنواع من الفاكهة ذات المذاق الطيب التى تثير بمذاقها الطيب تعجب الإنسان. عند ما رأى هذا تذكر الآيات الجليلة: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى

<<  <  ج: ص:  >  >>