هبت من سفح جبل، ولأن إحداهما حملت على الأخرى قلنا: لا بد من وجود سر فى هذا، وما كان فى وسعنا التقدم خطوة أو التأخر خطوة، لذا توقفنا هنيهة فى مكاننا.
وبعد أن اختفت إحدى هاتين الزوبعتين التى تخلع القلوب ببشاعتها والأخرى بالجبل لفترة انفصلت كل منهما عن الأخرى، وتوجهت كل منهما إلى جبل ولم يعد لهما من أثر.
وعند انفصالهما بدت إحداهما ضعيفة خائرة القوة، لذا تملكنا شديد الفضول فمضينا إلى مكان لقائهما فرأينا كثرة من الحيات وقد نفقت، وكانت تنبعث منها رائحة ذكية، ولكى نعرف أى حية تنفح هذه الرائحة الذكية شرعنا نقلب الحيات النافقة، وفى النهاية أدركنا أن رائحة المسك تلك تنفح من بطن حية صفراء الظهر بيضاء البطن.
ويا لها من حية عجيبة تنفح مسكا لم أر مثلها فى حياتى، فلففتها حول عصاى وفى قول آخر حول خرقتى ودفنتها فى طرف الطريق، ثم قفلت راجعا إلى رفاقى، وما أن هممنا بالذهاب حتى تراءت لنا من الجهة الغربية للمكان الذى كنا نجلس فيه أربع نساء قلن لنا: ليعلم من دفن عمرو - أى الحية المقتولة - أنه دفن شخصا صوام النهار قوام الليل، يرعى أحكام القرآن، وهذا الرجل قد آمن برسول الثقلين قبل أن تأتيه الرسالة بأربعمائة عام، وبعد البعثة لمبايعته وكان يستمع إلى الوحى، قلن هذا من كلامهن واختفين عن الأنظار.
كان هذا ما رواه معاذ رضى الله عنه.
وروى ابن حبّان هذه الواقعة كذلك فقال: إن الرجل المذكور قص على سيدنا عمر ما حدث فقال له الفاروق رضى الله عنه: نعم، فقد قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم، «أن ثمة من بايعونى قبل بعثتى بأربعمائة عام» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء فى كتاب المرجان فى أحكام الجان الذى ألفه أبو البقاء الحنفى إن رسول الثقلين