وإذا ما دقق وحقق فى المعاملات الجارية للأقوام الذين أتوا إلى الدنيا، مكمن العبر ثم غادروها وعمّق النظر فيها لسلّم أن الدنيا ليست دار ثواب وعقاب، ولكنها نموذج للحياة الآخرة بكل ما فيها من المجازاة الشرعية وقوانينها العرفية، هذه هى خلاصة الخلاصة التى تستنبط من فحوى الكتب الشرعية.
وإن كان لا ينكر أن الدنيا دار كسب وعمل وتقدم، إلا أن الحصول على السعادة المطلوبة فى الدنيا والآخرة والتمتع بالنعم الجليلة والأخذ بالحظ الوافر منهما يتوقف على الانصياع لأوامر الخليفة المقتدى به وتدابيره. ولما كان منصب الخلافة أصلا قويما يجمع بين المناصب الدينية والدنيوية فقد فوض تنظيم أمور العباد وفقا للقوانين الشرعية، والحكم والتصرف ليد الخليفة القديرة، فالخدمات الدينية والوظائف التى توجه إلى رجال الدولة والمصالح العامة برمتها متشعبة من ذلك الأصل ومتفرعة منه.
وإذا لم يخف بنو البشر من سياسة الخوف والجزاء لأخلوا بالنظام وراحة الناس بحكم طبيعتهم البشرية، ولقاموا بارتكاب أعمال غير مرضية. إن ضرورة وجود خليفة مقتدر به فى كل عصر قد ثبت بالنص الجليل:
إن الله - سبحانه وتعالى - خلق ورتب وسائل صيانة صلاح بنى البشر ونظام معاده ومعاشه خاليا وجوده وبقائه من الفساد والخلل وفق الحكمة الربانية، وجعل الخليفة وسيلة فى تدبير أموره لأن ترك بنى البشر لأنفسهم يؤدى إلى الظلم والبغى والتعدى وإفنائهم وانقطاع نسلهم وانفصامهم.
وهذه الحال تنافى أحكام المشيئة الإلهية، لهذا لزم وجود خليفة حكيم قادر على دفع الظلم والعدوان، مدبر للشئون محافظة على حياة الإنسانية، وعلى هذا يجب أن تقوم صلاحية الخليفة الشرعية وأن نعلم من ذلك الشخص الذى يستحق أن يطلق عليه اسم الخليفة.