فصل أمواج الطوفان المادة النبوية اللطيفة من بطن الكعبة وحملها إلى مضجع السعادة القدسية، وبهذا الفضل والمزية رجحت المدينة المنورة من حيث جيرتها لمرقد السعادة الذى يحتوى على الجسم اللطيف النبوى يقتضى تفضيلها على مكة المعظمة.
عندما توفى صاحب المقام المحمود-عليه سلام الله الودود-اختلف العلماء فى المكان الذى يلزم دفنه فيه-عليه السلام-عندئذ قال سيدنا على «إن المكان الذى قبضت فيه نفس الرسول النفيسة أجمل وأفضل من جميع الأماكن التى على وجه الدنيا» وكان أبو بكر الصديق فى هذا المجلس وقال «سمعت من فم سيد الأخيار نفسه» أن الأنبياء يدفنون فى المكان الذى يقبضون فيه» وقد وافقت آراء الأصحاب الكرام رأى المشار إليهما ومن هنا قرروا دفنه فى منزله اللطيف، إن سبب تأكد العلماء الكرام وجرأتهم على تفضيل المدينة المنورة على مكة المكرمة هو وقوفهم على هذا السر الجليل.
وإنه لا شك فى أن المحل الذى أحبه النبى صلى الله عليه وسلم سيكون أحب عند الله عن سائر الأماكن. ألا يرجح المحل الذى أحبه الله سبحانه وتعالى واختاره النبى صلى الله عليه وسلم على المكان الآخر؟ وفى هذه الحالة ألا يرجح مضجع السعادة المنيف على الكعبة المعظمة؟
قد دعا فخر الكونين-عليه أكمل التحايا-حينما كان يغادر مكة «يا إلهى مادمت أخرجتنى من مكان أحبه فأسكنى فى مكان تحبه!!» وإذا ما نظر إلى اتخاذ أرض يثرب بعد هذا الدعاء دار الهجرة النبوية بعد أن دعا قائلا «يا رب أسكنى فى بلاد تحبها» واختياره الإقامة لآخر عمره فى مدينة طيبة الشهيرة يظهر من هذا أن المدينة المنورة أحب إلى الله من البلاد الأخرى.
إنها تلك البلدة المقدسة قد هاجر إليها خلاصة الماء والتراب-عليه سلام الله خالق الأفلاك-وارتحل عن دنيانا فى هذه البلدة كما حرص أصحابه الكرام على الإقامة فيها، هل ينكر بعد كل هذا مزية رجحان هذه البلدة وأفضليتها على البلاد الأخرى؟