وقد رجح بعض العلماء مكة المكرمة على المدينة المنورة مستدلين بالأحاديث «إن مكة أحب بلاد الله إلى الله» و «إن مكة خير بلاد الله»،وإن كان الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعى رأيا هذا الرأى وصدقا العلماء المشار إليهم إلا أن هذين الحديثين قد صدرا قبل أفضلية مكة المكرمة-عند سائر الأئمة-طالما كان صاحب المعجزات مقيما فى مكة المكرمة، وقالوا إن رجحان المدينة دار السكينة بعد الهجرة وفضلها قد ثبتا بعد الهجرة.
وإن كان ثبت تضاعف الأجر والمثوبة فى مكة المكرمة إلا أن هذا الأمر لا يقتضى أفضليتها، فمثلا يلزم للذين يذهبون إلى عرفات أن يصلوا خمس أوقات فى منى، ومع هذا فإن مكة المكرمة أكثر ثوابا وأجرا من الصلوات التى تؤدى فى منى وهذا الأمر محقق ومصدق لدى العلماء. ولأجل ذلك قال ابن عمر، إن تضاعف الثواب والأجر فى مكة ثابت ومع ذلك لا ترجح على المدينة دار السكينة وهكذا بين أن تضاعف الثواب لا يقتضى الأفضلية والرجحان وأن المفضول قد يرجح على الفاضل أحيانا.
وبناء على هذا الفهم الدقيق أجاب الإمام مالك على سؤال: أى الحرمين أولى بالمجاورة فى رأيك؟ فقال لهم بناء على رأيى إن المجاورة فى المدينة الطاهرة أولى من المجاورة فى مكة المقدسة وأوجب.
كيف لا تكون دار الهجرة المحترمة أفضل من مكة المكرمة وكيف لا تكون المجاورة فى تلك البلدة أحب وأجمل؟ وقد مر الجالس على سرير الأمراء المصطفى-عليه أكمل التحية-بكل شوارع تلك البلد. المباركة ذهابا وإيابا، بما أن جبريل الأمين نزل فى أكثر بقاعها باسطا أجنحته وأوصل الوحى الجليل ومن هنا قال الواقف على خفايا الحكمة-عليه بدائع التحية-المدينة خير من مكة والمدينة أفضل من مكة، وقد أخبر بهذا الحديث الصحيح عن لزوم تفضيل المدينة المنورة على مكة المعظمة نورها الله تعالى إلى يوم الآخرة.