أظهر كل واحد منهم الكبر والغرور والنخوة وأخذوا يبنون منازل متينة هنا وهناك، فأوسعوا بلدة يثرب وعمروها، وحتى يزينوا أطرافها أخذوا يغرسون الأشجار حيثما وجدوا لذلك سبيلا ومنذ أن ظهر من بينهم رجال يعرفون فن الزراعة، استولوا بكتائبهم على بلاد الحجاز والشام وتوسعوا فى حدودهم فاستولوا على ممالك البحرين وعمان، مثيرين الفزع والدهشة.
وأخذوا يحكمون البلاد التى استولوا عليها وأهالى القرى والمدن بصورة وحشية وظالمة.
يروى المؤرخون عن العمالقة الذين اشتهروا بضخامة أجسامهم أنهم كانوا يعيشون ما يقرب من مائتى عام وأن الغزلان كانت تربى صغارها فى فتحات مآقيهم.
ووصل ظلم أحفاد عملاق بن أرفخشذ إلى أنهم حتى اشتهروا بين القبائل «بجبابرة العمالقة» وأضروا سكان البلاد التى حواليهم وأوقعوا فيهم الخسائر تحت سنابك خيولهم، وزاد جورهم وأذاهم تدريجيا حتى أن أطفالهم الذين يلوثون الوجود كانوا يشرعون فى البغى والشقاوة وهم مازالوا فى مهدهم.
واشتد عندئذ الكفر والشقاوة بين القبائل الوحشية التى تنتسب إلى جبابرة تسمى «سقل وفالح» والتى ظهرت حينئذ فأشعلت نيران الشر والقتال حتى أوشك الأهالى الضعاف على الفناء والاضمحلال من جراء الأعمال الدامية لهؤلاء، فأرسلوا الرسل إلى سيدنا داود-عليه سلام الله الودود-يستمدون منه العون فساق عليهم كتائب الصولة والقوة فقتل أكثر رجالهم وأعدمهم وأسر نساءهم وأطفالهم وكبلهم بالحديد.
واستطاع أن ينجو بعض هؤلاء من الأبطال الذين بعثهم سيدنا داود منسحبين إلى قمم الجبال إلا أنهم عادوا بعد فترة إلى ناحية «جرف» وأخذوا فى ارتكاب الشقاوة كما فى السابق ولكن لحكمة ما ظهرت فى رقابهم دودة أودت بهم إلى دار البوار ما عدا امرأة تسمى «زهرة» وهكذا أصبحوا غذاء للنمل والثعابين.