وأفهم أهلها «أنه سيقيم فترة فى ساحة حرم الله السعيد».وقال ثعلبة ضمن ما قاله فى تليين أفكار الأهالى:«منذ أن خرجنا من موطننا بلاد سبأ حيثما مررنا بمكان سكنّا برضا أهله هناك حتى نجد لنا مكانا يليق بإقامتنا، وبهذه الصورة وصلنا هنا فأذنوا لنا بالإقامة فى بلادكم فترة وعندما يصل أبناء قومنا إلى هذا المكان سيبعثون عدة أشخاص إلى الإمام ليبحثوا ويتحروا عن بلاد مناسبة وعندما يرد هؤلاء سيرتحلون من هنا، وعلى كل حال فنحن نريد عونكم» وبذل سعيه بهذه الطريقة ليكتسب رضا أهالى مكة، إلا أن أهالى مكة الذين كانوا من الطوائف المتسلطة والجراهمة العصاة الذين كانوا اغتصبوا حجابة الكعبة من أيدى بنى إسماعيل وحكومتها واعتادت على أن تمنع القبائل التى لا تريدها من الدخول إلى أرض مكة فأعادوا ثعلبة خائبا إذ رفضوا طلبه.
وعندما اطلع عمرو مزيقيا على أفكار المكيين القاسية بعث ابنه مرة أخرى وهو يهدد قائلا:«مهما كان الأمر فإننى قد هيأت السبل والأسباب لقتال الجراهمة حتى آخر نفر من قبيلتى لأدخل مدينة مكة المعظمة!!» والتقى ثعلبة للمرة الثانية بأعيان الجراهمة وصناديدهم وافتتح كلامه ذاكرا أن والده قد تهيأ للحرب والقتال وقال: «لابد وأننا سنقيم فى بلدة مكة المفخمة المعظمة! إذا ما وافقتم على ذلك فإننا سنعرض عليكم مراسم شكرنا ونحمد لكم موقفكم! أما إذا أظهرتم الرفض والمخالفة والخصومة، سنستولى على مراعيكم وآباركم فى ظل قوة أدرعتنا وشجاعتنا وننتزع حكومة مكة الجليلة من أيديكم. ولن نعطى لأفراد قبيلتكم قطرة من الماء، إلا إذا رضيتم بشرب ما زاد عن حيواناتنا من مياه موحلة، أما إذا قابلتمونا بالمثل عندئذ سنشعل وطيس الوغى ونقاتلكم فنقهر أبطالكم وندمرهم ونكبل أطفالكم ونساءكم بالسلاسل».
وردت طائفة الجراهمة ثعلبة بالرفض مرة أخرى مستندين على كثرة عددهم وقوة نفوذهم واحتضنوا أسلحتهم وحاربوا ثلاثة أيام ليلا ونهارا، ولكنهم انهزموا انهزاما غير منتظر وتشتتوا وتفرقوا.