الخزرجيين قطعيا، فغرز رمحه فى رحله وبرك على الأرض مثل الجمل بناء على القاعدة العربية القديمة وقال:«إننى لا أرجع من هنا ما لم أقتل فإذا أردتم أن تتركونى فى حالتى هذه للعدو فاتركونى»،وأنشد بعض الأشعار المناسبة للموقف وهكذا شجع أبناء قبيلته، وقد أشفق رجال الأوس على حال خضير الذى يفكر فى وطنه وهو مجروح ويحرص على الدفاع عنه وحتى لا يتركوه ليد العدو وهو فى حالته هذه فاضطروا للثبات فى ميدان الوغى وأثبتوا شجاعتهم الفطرية بقتلهم قائد الخزرج عمرو بن النعمان (١) البياضى وهزموا عدوهم هزيمة شنعاء وأخذوا يتعقبونهم من خلفهم، وفى أثناء ذلك سمعوا صوتا هاتفيا يقول:«يا معشر الأوس لا يليق أن تقتلوا إخوانكم بهذا الشكل، إن مجاورتهم أولى من مجاورة اليهود» حينئذ تركوا الحرب ثم حملوا خضيرا الذى شجعهم بكل تعظيم وأوصلوه إلى منزله.
وقد فرح خضير بن سماك فرحا لا حد له لانتصار الأوس على الخزرج على الصورة المطلوبة، إلا أن الجرح الذى أصيب به لم يكن قابلا للالتئام فمات متأثرا به بعد مرور وقت قليل.
وكان هزيمة الخزرج وتشتتهم شيئا يبحث عنه الأوسيون ولا يجدونه؛ ولذا نهبوا الخزرجى الذى وقع تحت أيديهم وتركوه مجردا من كل شئ وهدموا منازلهم وشتتوا أسرهم وهدموا وأحرقوا بساتين نخيلهم وبهذا أظهروا دناءتهم التى لا توصف وجرحوا ثابت بن قيس بن شماس الذى قبضوا عليه وكان ذلك الجرح شارة حريته وأسرعوا فى قطع نخيل بنى سلمة وإحراقها؛ وأسرع سعد بن معاذ الأشهلى حتى أنقذ نخيل قومه.
وأخذت أضواء شمس النبوة تضئ آفاق المدينة المنورة عقب وقعة يوم بعاث وشرعت الدعوة المحمدية تنير أرض يثرب والبطحاء وبدأ السلطان الذى ظهر جديدا يرفع أستار الظلام والخصومة والعداوة بين قبائل الأوس والخزرج، ولم يبق لها أثرا واتحد أفراد جميع القبائل التى تنتسب وتنتهى إلى ثعلبة بن عمرو مزيقيا واتفقوا جميعا فى نصرة الدين الأحمدى واتحدت كلمتهم.
(١) إن هذا الرجل هو الذى قتل الرهينة التى أخذت قبل يوم الفجار الثانى غدرا.