ظهروا منيرين الطريق وحينما أدرك أن الذى شرف النبى ورفيقه لم يمتلك صبره وصاح قائلا: يا بنى قيلة (١) هذا جدكم».
إن أخيار الأنصار وهم أفراد قبائل الأوس والخزرج قد سروا من الخبر الذى يجلب الصفاء والذى ينشره اليهودى بسرعة فتسلح جميعهم وامتطوا جيادهم حتى يكونوا فى شرف استقبال الركب المحمدى الذى يرسل أنواره كنور القمر وذهبوا إلى الحرة المذكورة من قبل وبعد أن نال كل واحد منهم شرف تقبيل قدم حبيب رب العزة قدم أهل المدينة الذين وصلوا واحدا تلو الآخر بإيراد خطب مناسبة، وقد أظهر المستعدون لقبول الإيمان الفرح والسرور وخرجوا خارج المدينة كما أن اليهود والمشركين قد خرجوا خارج المدينة مغتاظين متنفرين حتى خلت دار الهجرة فى ذلك اليوم المنير من الناس.
وأحنى الأنصار البررة جباههم لتراب أقدام سيد الكونين وعرضوا على رياحين إخلاصهم وطاعتهم وأظهر كل واحد منهم فرحته وسروره على طريقته، وأنشد من كان شاعرا فيهم ولا سيما الذين سروا من مقام سيدنا محمد فيهم قصائد مدح ممتازة للنبى صلى الله عليه وسلم، فسر النبى صلى الله عليه وسلم من هذه الحالة وتحرك فرحا مسرورا وإذ رأى موحدى أرض يثرب عامة حالة الفرحة والصفاء التى سادت الموقف أخذ كل واحد منهم يأتى بحركة تدل على عدم المبالاة إلا أنها كانت فى حدود الأدب، وفى الواقع فإن تلك الساعة كانت من أجل أهل المدينة المحظوظين كانت ساعة من مسرة خاصة بهم حتى إن سكان الملأ الأعلى قد خرجوا لمشاهدتها ونشرت الشمس وأرسلت أضواء الفرحة والمباهاة فوق أهل يثرب، وحينما تحرك الموكب النبوى من موقع الحرّة، تقدمه أبطال الأوس والخزرج وقاموا بمهمة الدلالة، ووصل الذات النبوى العالى إلى منازل بنى عمرو بن عوف، ونزل فى ظل نخلة وقام من هناك ليضع ظله الجليل فى منزل «كلثوم بن هدم» من العرب المعروفين أو فى منزل «طاهر بن يحيى» فى القرب من بئر غرس، وكان يقول للصحابة الذين يرجونه أن يشرف منازلهم «إننى سأذهب إلى منازل بنى النجار