شكرى وحمدى، وبهذه المقدمة طلب منه داره، فأجابه العباس:«قد أعطانى الرسول صلى الله عليه وسلم ساحة هذه الدار وساعدنى فى بنائها متنازلا؛ وأنى لكم الحق فى مطالبتى بها وأنت تعرف هذه الأمور؟!» وبعدما أدارا كئوس الحوار فترة أحالوا الأمر لفصل القضية لحكم أبى بن كعب من أفاضل الصحابة؛ وفتح أبى بن كعب فمه ناقلا عن النبى صلى الله عليه وسلم أراد الله-سبحانه وتعالى-جل شأنه عن الشبيه- أن يبنى داود-عليه السلام-مسجدا وطلب منه ذلك، وخط داود-عليه السلام-حول عرصة بيت المقدس خطا مربع الأضلاع دائرا ما دار، وبما أنه سيتخذ هذه الساحة مسجدا فإنه يأمل أن يشترى جميع المنازل التى تقع فى داخل الدائرة التى خطها.
وأنبأ أصحاب الدور بذلك، وتقبل جميع أصحاب البيوت التى فى داخل الدائرة عرض النبى داود قبولا حسنا وقبلوا أن يتنازلوا عن دورهم إلا واحدا منهم خالف داود-عليه السلام-ورفض إعطاء منزله فبين له داود-عليه سلام الله الودود-أنه سيقدر لمنزله قيمة وسيدفع له هذا الثمن المقدر ويستولى على بيته جبرا، عندئذ صدر من الله-سبحانه-خطابه معاتبا يا داود هل تريد أن تدخل مالا مغصوبا فى البيت الذى ستؤسسه من أجلى وهذا لا يليق، وبهذا الخطاب أقلق داود عليه السلام، وهكذا جعل أبى بن كعب الحق بجانب العباس بن عبد المطلب، وقد سر العباس بن عبد المطلب من حكاية أبى بن كعب المحايدة وتنازل عن داره للمسجد الشريف بلا مقابل متبركا. وتقع هذه الدار فى مكان الأعمدة التى فى الصف الأول ابتداء من المنبر المنير والتى تنتهى إلى باب السلام فى مكان العمود الخامس من تلك الأعمدة التى ألحقت بمسجد السعادة والمكان المواجه لها دار مروان بن الحكم.
ويروى البعض أن الدار التى كانت مثار المنازعة فى أخذها وشرائها هى الساحة التى كان النبى صلى الله عليه وسلم قد اختارها لجعفر بن أبى طالب الذى كان فى الحبشة، واشترى نصف هذه الساحة عمر بن الخطاب واشترى نصفها الآخر عثمان بن عفان وألحقها بالمسجد الشريف، ويروون أن عمر بن الخطاب دفع لنصف هذه الساحة ألف درهم ومائة ثمنا لها.