الآخر فى بناء بيوت لهم. وسرعان ما أقيمت بيوت وحوانيت كثيرة لا مثيل لها واتسعت هذه المدينة المقدسة وملأها العمران.
الشكل الأول:
لم يكن العمران فى المدينة المقدسة مكة المشرفة عمرانا دائما، فكانت فى بعض العصور حافلة بالعمران وفى البعض الآخر تعانى من الخواء وتصبح منازلها خاوية مهجورة، وفى أوقات خلوها تكون خالية من الأهالى لدرجة أن حركة البيع والشراء فى الحوانيت التى فى شارع المسعى الشريف تتوقف تماما، فتهبط الظباء من الجبال وتدخل الحرم الشريف ثم تخرج منه بعد الطواف وتعود من حيث أتت، حتى إن قوافل بجيلة لا تجد إنسانا واحدا حتى تبيع له بضاعتها التى أتت محملة بها فتضعها فى مكان ما وترجع.
أما سبب كل هذا الفراغ فيرجع إلى أن أهل مكة لا يستطيعون تحمل ارتفاع درجة الحرارة؛ فيهجرونها إلى الأطراف المحيطة بها.
وتراوحت أحوال هذه البلدة المشرفة بين القحط والرخاء والبركة والغلاء، ولم يكن الأمر فيها يسير على وتيرة واحدة فتارة لا يوجد بها شئ يؤكل وتارة أخرى لا تستوعب الأسواق ما يرد إليها من حبوب ومواد غذائية. ويذكر فى تاريخ القطب المكى أحد مؤرخى مكة وهو يصف ويذكر أحوال مكة المعظمة قائلا:«إنى فى مرحلة الصبا كنت كثيرا ما أرى المطاف السعيد خاليا من الناس فكنت أطوف بمفردى».، وهو يريد بهذه العبارة الإشارة إلى الفترات التى كانت مكة المكرمة خاوية بشكل ملحوظ،وإلى المعاناة الكبيرة التى قاستها من القحط والغلاء فى الأوقات التى ذكرها القطب المكى، كان أهل مكة قلة قليلة، وكانت النقود المتداولة التى تزين الصناديق نادرة، لذا لم يكن فى حوزة أحد من الأهالى قطعة نقود واحدة، كما انتهت البضائع التى فى الأسواق ولم يكن يوجد فيها شئ من البضائع والأغذية.
واستمرت هذه الحال إلى عام ٩٥٠ هـ وعند ما انتقلت الإدارة المقدسة