إن التضرع الذى صدر من السلطان محمود خان فى عرض الحال هذا على شكل منظوم من مقتضيات التضرع الذى يليق بالمسلمين وتذلل المحبين من شأن الأسرة العثمانية ولا مجال لقياسها بسلوك الملوك الآخرين الذى اتسم دائما بالتكبر والتفاخر، وخارج عن حد إمكانية مقارنتهما بسلوك الملوك الآخرين.
ولما كان ما قام به السلطان محمود من تعمير مجرد تعمير لم يصل إلى درجة التزيين يليق بشأن الحرمين الشريفين إذ لم تسمح مشاغله الكثيرة بهذا العمل، ويلزمنا أن ندقق النظر فيما نقوله من كلمة «مشاغل» ولم تكن هذه المشاغل عبارة عن الألفاظ المجردة، بل كان العصيان الذى عم فى مصر، وألبانية، وإلغاء الانكشارية، وهجمات روسيا، وكانت مشكلة واحدة منها كافية لأن تترك عدة السلاطين العظام عاجزين عن العمل، وهذه المشاغل التى فى خلالها قام السلطان محمود بإجراء تعميرات كانت كافية لجعل مكة والمدينة أجمل من ذى قبل، إلا أن عبد المجيد خان لم يكتف بذلك، فتح جيب حميته وسماحته ليعمر من جديد مكة والمدينة ويزينهما ويكمل تجديدهما على أكمل وجه.
ولا تكفى هذه المقالة المختصرة لتعداد المساجد المباركة التى قام بتزيينها فى أثناء هذا العمل، وحتى نكون قد قلنا كلاما للعموم نقول:«إن جميع المساجد التى توجد فى تلك الجهات من المسجد النبوى قد أخذت حصتها من التزيين الذى وفق إلى إجرائه السلطان عبد المجيد خان».
والمسكنة التى أظهرها السلطان عبد المجيد فى أثناء الترتيبات الجليلة الجميلة فاقت المسكنة التى أظهرها والده وبهذا أثبت أنه خير خلف للسلطان محمود العدلى.
وقد كتب بخط يده تحت الذى سيفرش فى الحجرة المنيفة اسمه وشهرته بعبارات تدل على الذلة وصفحات متواضعة وبهذه الصورة يكون قد مسح وجهه على ذلك التراب بالواسطة.
ولا سيما أنه لم يقبل الأوصاف السلطانية والتعبيرات الملوكية التى كتبت على