وكان ما أحصيناه من الأشياء التى يفتخر بتعميرها وتزيينها أحد الملوك ليس كل ما قام به إذ كان سلطاننا القوى حريصا على حب التعمير مثل والده فشملت حميته الدينية المبسوطة كافة الآثار الجليلة للحرمين، فقد عمّر مقام يحيى-عليه السلام-واجب الاحترام وضريح السيد بلال وأضرحة الأنبياء الآخرين، ومقامات الأولياء ورتبها وزينها لا يشك فى خدمة من تلك الخدمات، وإحياؤه وإنشاؤه زاوية لا مثيل لها بدلا من التكية الخربة بعد ٥٠٠ عام.
وبناء على المعلومات التى أمدنا بها الإمام تقى الدين عبد الرحمن أبو الفرح الحواسبى فى حق هذا المقام فى كتابه النفيس:«ترياق المحبين فى ذكر طبقات المشايخ العارفين»،أن التكية الرفاعية أربعة مبان متداخلة بعضها فى بعض وكانت قد بنيت على أربعة آلاف عقدة، وكان مائة ألف زائر يجتمع فيها وكانت التكية تستوعبهم كلهم، وكانت سماحة القطب الجليل وكرمه يكفيان لإطعام الضيوف كلهم وكان يطعم فى التكية الشريفة ما عدا هؤلاء المجتمعين عشرون ألفا من المريدين، وإن كانت قضية الإطعام هذه تعلن عن وجود ثروة عظيمة فى الميدان إلا أن انتفاع الشيخ وأولاده وأخلافه الكرام ندعه جانبا إذ كانوا بسطاء بدرجة لا تفرقهم عن مريديه، وفى هذه الحالة لا يشك أن تلك الثروة مجرد رزق للفقراء وأنهم مفتقرون لذلك الرزق. والغرض من هذا الإيضاح هو لفت الأنظار إلى الزاوية الرفاعية وعرض أهميتها وأهمية أحبائها من قبل السلطان وبناء على ذلك نستمر فى الإيضاح ونقيد الآتى: «قد تولى المعين مهمة الإرشاد فى سنة ٥٤٠ الهجرية وقد بلغ عدد الرسائل التى تلقاها من مريديه الذين وصلوا إلى أربعين فردا بعد سبع سنوات، سبعمائة ألف رسالة، وكثرة إرشاداته لهذه الدرجة هى محل موازنة للفيوضات الإلهية التى وهبها الله لذلك الشخص عالى المقام، وقد بنى التكية بناء على توسع جمعية وكثرة مريديه وقد قيد فى التواريخ أنه لم يبق فرد فريد فى قرى ومدن، واسط وبطايح من لم يمد يد العون لهذه التكية.
وكان سبب انقراض تلك التكية الوباء الذى ظهر فى سنة ثمانمائة الهجرية؛ وبما أن الوباء المذكور لم يترك قرية أو مدينة فى نواحى واسط وبطايح دون أن