للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن لم يتحقق ما قلته نبقيها على هيئاتها الأصلية، وإذا كانت الأخرى نلجأ لرأى عموم الناس وفكرهم ونتحرك وفق رأى الأهالى وقرارهم وبهذا الجواب المفخم أقنع معترضيه من الوجهاء والأعيان من سكان البلد فقبلوا أن يقتلع أحد الأعمدة لمعاينتها ظانين أنه سيكون فى حالة سليمة متينة نظرا لهيئتها الخارجية وجعل من أحضرهم من نجارى المدينة يعاينون ذلك العمود، وإذا بالعمود كان قد ركز فى أيام قايتباى فوق حجر أسود بال وضع فوقه التراب دون قاعدة والأحجار المذكورة قد تحطمت تحت ثقل القباب وصدمات الزمان المتقلب وتسببت فى اعوجاج الأعمدة والأسياخ الحديدية التى فى أطرافها فدست فى الأرض وتسببت فى انحراف الأعمدة عن مراكزها.

كانت الأسطوانة التى اقتلعت وعرضت على فريق العمل والأهالى كانت مكونة من عدة أعمدة مجوفة وسبب ذلك إبقاء الأعمدة على هيئتها الأصلية كلما عمر حرم السعادة وكل عمود قد صبغ مرة واحدة وهذه الصبغة قد تحجرت بمرور الأيام وظلت على شكل أسطوانة مجوفة. وابتدر قسم من سكان المدينة إذ رأوا الاسطوانة المقلوعة كما وصفها الباشا فوافقوا على تغيير الأساطين رأسا وقال قسم آخر وقد اطلع على الأمر أن الأساطين القديمة ستنتزع والقباب ستعلق فوق الأعمدة وستقلل الأعمدة وستبدل إلى أسطوانتين أو ثلاث قطع من الأعمدة الرخامية المجلاة هذا الإنسان لا يسمع الكلام، ولا يريد أن يراعى هيئات الأبنية العالية المقدسة، ويريد أن يغير ويبدل الأعمدة التى لم يمس طرازها ورسمها، كاملة ويغير أماكنها ويقلل عدد الأساطين.

وأمعنوا، أفكارهم بنشر هذه الأقوال المضرة وعملوا على تشويش أفكار العامة، لكن رائف باشا لم يعر سمعا لهذه الاعتراضات فانتزع جميع الأعمدة التى فى مؤخرة الحرم الشريف بعد أن أسند القباب التى فيه وفق ما جاء فى الخريطة ووضع أسس وقواعد الأعمدة الجديدة التى سيركزها فى نسبة واحدة وبعد أن ملأ البئر التى حفرها بين الباب الشامى وباب الضيافة وخارج سور المدينة المنورة بالتراب والأنقاض التى نتجت عن تلك العمليات، وهدم

<<  <  ج: ص:  >  >>