من وراء ستار الكعبة، فأنصت إليه فإذا بالكعبة ذاتها تقول:«يا جبريل أشكو إليك بعد الشكوى إلى الله الحق من أهل الهوى الذين يتفوهون بكلمات تدل على انصرافهم للهو ولغو الكلام فى أثناء وطول مصاحبتهم، فإن لم يستغفروا ويتولوا عن ذنوبهم ويتخلصوا مما اقترفوا فسوف أنتفض انتفاضة قوية بحيث يتطاير كل حجر من أحجارى إلى الجبل الذى أخذ منه وهكذا أزول فى الحال «وما إن سمعت هذه الشكوى والحوار بين الكعبة والرسول الجليل حتى اعترانى الاضطراب والرجفة.
ويتناقل هذه الحكاية الغريبة من سمعوها من وهب نفسه، ويوصون الحجاج بألا يحرصوا على الإقامة بمكة بعد الرجوع من عرفة.
وقد أجاب الإمام مالك-رحمه الله-على سؤال طرح عليه لتوضيح هذه المسألة وكان السؤال: هل العودة بعد الحج أفضل أم الإقامة بمكة للمجاورة؟
فأجاب: إن العودة بعد الحج أفضل.
وإذا كان الإمام مالك يرى أنه يكره المجاورة، فإن الإمام أبا حنيفة يروى عنه فى رواية صحيحة أنه قال «يجب على الذين ينتهون من أداء الحج أن يعودوا إلى بلادهم وأولادهم وزوجاتهم» غير أن الإمام أبا يوسف والإمام محمدا والإمام الشافعى والإمام أحمد بن حنبل لم يتشددوا فى هذا الأمر اتفقوا بأن مجاورة مكة أمر مستحب.
أما الإمام الأعظم فأفتى بكراهية مجاورة مكة المكرمة، وذلك لملاحظة أن عامة الناس يعجزون عن رعاية حقوق الحرم المحترم، وفى الواقع أن طوائف العامة لا يراعون حرمة الكعبة المعظمة حق رعايتها.
والمقصود من كراهة المجاورة بالنسبة للإمام الأعظم ليس مجرد الإقامة في مكة المكرمة، بل إنه يذكر محظورين يجب اجتنابهما أحدهما: أنه كلما طالت الإقامة فيها يأنس القلب بالبيت ويألفه لأن تكرار المشاهدة وكثرتها تؤدى إلى